الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ( 87 ) ولتعلمن نبأه بعد حين ( 88 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل لهؤلاء المشركين من قومك : ( إن هو ) يعني : ما هذا القرآن ( إلا ذكر ) يقول : إلا تذكير من الله ( للعالمين ) من الجن والإنس ، ذكرهم ربهم إرادة استنقاذ من آمن به منهم من الهلكة . وقوله ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) يقول : ولتعلمن أيها المشركون بالله من قريش نبأه ، يعني : نبأ هذا القرآن ، وهو خبره ، يعني حقيقة ما فيه من الوعد والوعيد بعد حين .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولتعلمن نبأه ) قال : صدق هذا الحديث نبأ ما كذبوا به . ، قيل : ( نبأه ) حقيقة أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه نبي .

[ ص: 244 ] ثم اختلفوا في مدة الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع : ما هي ، وما نهايتها ؟ فقال بعضهم : نهايتها الموت .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) : أي بعد الموت ، وقال الحسن : يابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين .

وقال بعضهم : كانت نهايتها إلى يوم بدر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي في قوله ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) قال : يوم بدر .

وقال بعضهم : يوم القيامة . وقال بعضهم : نهايتها القيامة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) قال : يوم القيامة يعلمون نبأ ما كذبوا به بعد حين من الدنيا وهو يوم القيامة . وقرأ : ( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ) قال : وهذا أيضا الآخرة يستقر فيها الحق ، ويبطل الباطل .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أعلم المشركين المكذبين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حد منه لذلك الحين بحد ، وقد علم نبأه من أحيائهم الذين عاشوا إلى ظهور حقيقته ، ووضوح صحته في الدنيا ، ومنهم من علم حقيقة ذلك بهلاكه ببدر ، وقبل ذلك ، ولا حد عند العرب للحين ، لا يجاوز ولا يقصر عنه . فإذ كان ذلك كذلك فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت .

وبنحو الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

[ ص: 245 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية قال : ثنا أيوب قال : قال عكرمة : سئلت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلى حين ، فقلت : إن من الحين حينا لا يدرك ، ومن الحين حين يدرك ، فالحين الذي لا يدرك قوله ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) والحين الذي يدرك قوله ( تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ) وذلك من حين تصرم النخلة إلى حين تطلع ، وذلك ستة أشهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية