الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : " والمطلقات " اللواتي طلقن بعد ابتناء أزواجهن بهن ، وإفضائهم إليهن ، إذا كن ذوات حيض وطهر - " يتربصن بأنفسهن " عن نكاح الأزواج " ثلاثة قروء " .

واختلف أهل التأويل في تأويل " القرء " الذي عناه الله بقوله : " يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " [ ص: 500 ] فقال بعضهم : هو الحيض .

ذكر من قال ذلك :

4666 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " قال : حيض .

4667 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع : " ثلاثة قروء " أي ثلاث حيض . يقول : تعتد ثلاث حيض .

4668 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا همام بن يحيى قال : سمعت قتادة في قوله : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " يقول : جعل عدة المطلقات ثلاث حيض ، ثم نسخ منها المطلقة التي طلقت قبل أن يدخل بها زوجها ، واللائي يئسن من المحيض ، واللائي لم يحضن ، والحامل .

4669 - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال : حدثنا المحاربي عن جويبر عن الضحاك قال : القروء الحيض .

4670 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " قال : ثلاث حيض .

4671 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا ابن جريج قال : قال عمرو بن دينار : الأقراء الحيض عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 501 ]

4672 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن رجل سمع عكرمة قال : الأقراء الحيض ، وليس بالطهر ، قال تعالى : فطلقوهن لعدتهن ، ولم يقل : " لقروئهن " .

4673 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالا : ثلاث حيض .

4674 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أما ثلاثة قروء : فثلاث حيض .

4675 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي : أنه رفع إلى عمر فقال لعبد الله بن مسعود : لتقولن فيها . فقال : أنت أحق أن تقول ! قال : لتقولن . قال : أقول : إن زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة . قال : ذاك رأيي وافقت ما في نفسي! فقضى بذلك عمر .

4676 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن قتادة أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود فذكر نحوه .

4677 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي أن عمر بن الخطاب وابن مسعود قالا زوجها أحق بها ما لم تغتسل أو قالا : تحل لها الصلاة .

4678 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا [ ص: 502 ] سعيد بن أبي عروبة قال : حدثنا مطر أن الحسن حدثهم : أن رجلا طلق امرأته ، ووكل بذلك رجلا من أهله أو إنسانا من أهله فغفل ذلك الذي وكله بذلك حتى دخلت امرأته في الحيضة الثالثة ، وقربت ماءها لتغتسل ، فانطلق الذي وكل بذلك إلى الزوج ، فأقبل الزوج وهي تريد الغسل ، فقال : يا فلانة ، قالت : ما تشاء؟ قال : إني قد راجعتك! قالت : والله ما لك ذلك! قال : بلى والله! قال : فارتفعا إلى أبي موسى الأشعري فأخذ يمينها بالله الذي لا إله إلا هو : إن كنت لقد اغتسلت حين ناداك . قالت : لا والله ، ما كنت فعلت ، ولقد قربت مائي لأغتسل . فردها على زوجها ، وقال : أنت أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

4679 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن مطر عن الحسن عن أبي موسى الأشعري بنحوه .

4680 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا يونس عن الحسن قال : قال عمر : هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

4681 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا أبو هلال عن قتادة عن يونس بن جبير : أن عمر بن الخطاب طلق امرأته ، فأرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة ، فقال عمر بن الخطاب : امرأتي ورب الكعبة! فراجعها ، قال ابن بشار : فذكرت هذا الحديث لعبد الرحمن بن مهدي ، فقال : سمعت هذا الحديث من أبي هلال عن قتادة وأبو هلال لا يحتمل هذا .

4682 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان [ ص: 503 ] عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال : كنا عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت : إن زوجي طلقني واحدة أو ثنتين ، فجاء وقد وضعت مائي ، وأغلقت بابي ، ونزعت ثيابي . فقال عمر لعبد الله : ما ترى؟ قال : أراها امرأته ما دون أن تحل لها الصلاة . قال عمر : وأنا أرى ذلك .

4683 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود : أنه قال - في رجل طلق امرأته ثم تركها حتى دخلت في الحيضة الثالثة ، فأرادت أن تغتسل ، ووضعت ماءها لتغتسل ، فراجعها - : فأجازه عمر وعبد الله بن مسعود .

4684 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود بمثله إلا أنه قال : ووضعت الماء للغسل ، فراجعها ، فسأل عبد الله وعمر فقال : هو أحق بها ما لم تغتسل .

4685 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان عمر وعبد الله يقولان : إذا طلق الرجل امرأته تطليقة يملك الرجعة ، فهو أحق بها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة .

4686 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا المغيرة عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يقول : إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين ، فهو أحق برجعتها ، وبينهما الميراث ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

4687 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن أيوب عن الحسن : أن رجلا طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم وكل بها بعض أهله ، فغفل الإنسان حتى دخلت مغتسلها ، وقربت غسلها . فأتاه فآذنه ، فجاء فقال : إني قد راجعتك! فقالت : كلا والله! قال : بلى والله! قالت : كلا والله! قال : بلى [ ص: 504 ] والله! قال : فتخالفا ، فارتفعا إلى الأشعري واستحلفها بالله لقد كنت اغتسلت وحلت لك الصلاة . فأبت أن تحلف ، فردها عليه .

4688 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي أن عمر استشار ابن مسعود في الذي طلق امرأته تطليقة أو ثنتين ، فحاضت الحيضة الثالثة ، فقال ابن مسعود : أراه أحق بها ما لم تغتسل ، فقال عمر : وافقت الذي في نفسي . فردها على زوجها .

4689 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا النعمان بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن عليا كان يقول : هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

4690 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : إذا انقطع الدم فلا رجعة .

4691 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال : إذا طلق الرجل امرأته وهي طاهر اعتدت ثلاث حيض سوى الحيضة التي طهرت منها .

4692 - حدثني محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن مطر عن عمرو بن شعيب أن عمر سأل أبا موسى عنها - وكان بلغه قضاؤه فيها - فقال أبو موسى : قضيت أن زوجها أحق بها ما لم تغتسل .

فقال عمر : لو قضيت غير هذا لأوجعت لك رأسك .

4693 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن علي بن أبي طالب قال - في [ ص: 505 ] الرجل يتزوج المرأة فيطلقها تطليقة أو ثنتين - قال : لزوجها الرجعة عليها ، حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة .

4694 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة بن عبد الله قال : أرسل عثمان إلى أبي يسأله عنها ، فقال أبي : وكيف يفتي منافق؟ فقال عثمان : أعيذك بالله أن تكون منافقا ، ونعوذ بالله أن نسميك منافقا ، ونعيذك بالله أن يكون مثل هذا كان في الإسلام ، ثم تموت ولم تبينه! قال : فإني أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة . قال : فلا أعلم عثمان إلا أخذ بذلك .

4695 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال : وأخبرنا معمر عن قتادة قالا : راجع رجل امرأته حين وضعت ثيابها تريد الاغتسال فقال : قد راجعتك . فقالت : كلا! فاغتسلت . ثم خاصمها إلى الأشعري فردها عليه .

4696 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن زيد بن رفيع عن معبد الجهني قال : إذا غسلت المطلقة فرجها من الحيضة الثالثة بانت منه وحلت للأزواج . [ ص: 506 ]

4697 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن حماد عن إبراهيم : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ، ويحل لها الصوم .

4698 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا : حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

4699 - حدثنا محمد بن يحيى . قال : حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن درست عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن علي مثله .

وقال آخرون : بل " القرء " الذي أمر الله تعالى ذكره المطلقات أن يعتددن به : الطهر .

ذكره من قال ذلك :

4700 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة . قالت : الأقراء الأطهار .

4701 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه . عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول : الأقراء الأطهار . [ ص: 507 ]

4702 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن عمرة وعروة عن عائشة قالت : إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج ، قال الزهري : قالت عمرة : كانت عائشة تقول : القرء : الطهر ، وليس بالحيضة .

4703 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مثل قول زيد وعائشة .

4704 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثل قول زيد .

4705 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قال : إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج قال معمر : وكان الزهري يفتي بقول زيد .

4706 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : بلغني أن عائشة قالت : إنما الأقراء : الأطهار .

4707 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها .

4708 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب : في رجل طلق امرأته واحدة أو ثنتين قال - قال زيد بن ثابت : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها وزاد ابن أبي عدي قال : قال علي بن أبي طالب : هو أحق بها ما لم تغتسل .

4709 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد [ ص: 508 ] عن قتادة عن ابن المسيب عن زيد وعلي بمثله .

4710 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا ميراث لها .

4711 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية وحدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قالا جميعا ، حدثنا أيوب عن نافع عن سليمان بن يسار : أن الأحوص - رجل من أشراف أهل الشام - طلق امرأته تطليقة أو ثنتين ، فمات وهي في الحيضة الثالثة ، فرفعت إلى معاوية فلم يوجد عنده فيها علم . فسأل عنها فضالة بن عبيد ومن هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يوجد عندهم فيها علم ، فبعث معاوية راكبا إلى زيد بن ثابت فقال : لا ترثه ، ولو ماتت لم يرثها . فكان ابن عمر يرى ذلك .

4712 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن أيوب عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له الأحوص من أهل الشام طلق امرأته تطليقة ، فمات وقد دخلت في الحيضة الثالثة ، فرفع إلى معاوية فلم يدر ما يقول ، فكتب فيها إلى زيد بن ثابت فكتب إليه زيد : " إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فلا ميراث بينهما " .

4713 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد [ ص: 509 ] عن أيوب عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له الأحوص فذكر نحوه عن معاوية وزيد .

4714 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن أيوب عن نافع قال : قال ابن عمر : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها .

4715 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال في المطلقة : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت .

4716 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عمر بن محمد أن نافعا أخبره ، عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت أنهما كانا يقولان : إذا دخلت المرأة في الدم من الحيضة الثالثة ، فإنها لا ترثه ولا يرثها ، وقد برئت منه وبرئ منها .

4717 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : بلغني عن زيد بن ثابت قال : إذا طلقت المرأة ، فدخلت في الحيضة الثالثة أنه ليس بينهما ميراث ولا رجعة .

4718 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : سمعت سالم بن عبد الله يقول مثل قول زيد بن ثابت .

4719 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : وسمعت يحيى يقول : بلغني عن أبان بن عثمان أنه كان يقول ذلك . [ ص: 510 ]

4720 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله عن زيد بن ثابت مثل ذلك .

4721 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن نافع : أن معاوية بعث إلى زيد بن ثابت فكتب إليه زيد : " إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت " ، وكان ابن عمر يقوله .

4722 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يحيى بن سعيد عن سليمان وزيد بن ثابت أنهما قالا : إذا حاضت الحيضة الثالثة فلا رجعة ، ولا ميراث .

4723 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن زيد بن ثابت قال : إذا طلق الرجل امرأته ، فرأت الدم في الحيضة الثالثة ، فقد انقضت عدتها .

4724 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن موسى بن شداد عن عمر بن ثابت الأنصاري قال : كان زيد بن ثابت يقول : إذا حاضت المطلقة الثالثة قبل أن يراجعها زوجها فلا يملك رجعتها .

4725 - حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن درست عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عائشة وزيد بن ثابت قالا : [ ص: 511 ] إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها .

قال أبو جعفر : " والقروء " في كلام العرب : جمع " قرء " ، وقد تجمعه العرب " أقراء " يقال في " فعل " منه : " أقرأت المرأة " - إذا صارت ذات حيض وطهر - " فهي تقرئ إقراء " . وأصل " القرء " في كلام العرب : الوقت لمجيء الشيء المعتاد مجيئه لوقت معلوم ، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم . ولذلك قالت العرب : " قرأت حاجة فلان عندي " ، بمعنى : دنا قضاؤها ، وحان وقت قضائها " وأقرأ النجم " إذا جاء وقت أفوله " وأقرأ " إذا جاء وقت طلوعه ، كما قال الشاعر :


إذا ما الثريا وقد أقرأت أحس السماكان منها أفولا

وقيل : " أقرأت الريح "إذا هبت لوقتها ، كما قال الهذلي :


شنئت العقر عقر بني شليل     إذا هبت لقارئها الرياح

بمعنى : هبت لوقتها وحين هبوبها . ولذلك سمى بعض العرب وقت مجيء الحيض " قرءا " إذا كان دما يعتاد ظهوره من فرج المرأة في وقت ، وكمونه في آخر ، فسمي وقت مجيئه " قرءا " كما سمى الذين سموا وقت مجيء الريح لوقتها " قرءا " . [ ص: 512 ]

4726 - ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : دعي الصلاة أيام أقرائك .

بمعنى : دعي الصلاة أيام إقبال حيضك .

وسمى آخرون من العرب وقت مجيء الطهر " قرءا " إذ كان وقت مجيئه وقتا لإدبار الدم دم الحيض ، وإقبال الطهر المعتاد مجيئه لوقت معلوم . فقال في ذلك الأعشى ميمون بن قيس :


وفي كل عام أنت جاشم غزوة     تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الذكر رفعة     لما ضاع فيها من قروء نسائكا

فجعل " القرء " : وقت الطهر .

قال أبو جعفر : ولما وصفنا من معنى : " القرء " أشكل تأويل قول الله : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " على أهل التأويل . [ ص: 513 ]

فرأى بعضهم أن الذي أمرت به المرأة المطلقة ذات الأقراء من الأقراء ، أقراء الحيض ، وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجيء فيه - فأوجب عليها تربص ثلاث حيض بنفسها عن خطبة الأزواج .

ورأى آخرون : أن الذي أمرت به من ذلك ، إنما هو أقراء الطهر - وذلك وقت مجيئه لعادته التي تجيء فيه - فأوجب عليها تربص ثلاث أطهار .

فإذ كان معنى " القرء " ما وصفنا لما بينا ، وكان الله تعالى ذكره قد أمر المريد طلاق امرأته أن لا يطلقها إلا طاهرا غير مجامعة ، وحرم عليه طلاقها حائضا كان اللازم المطلقة المدخول بها إذا كانت ذات أقراء تربص أوقات محدودة المبلغ بنفسها عقيب طلاق زوجها إياها ، أن تنظر إلى ثلاثة قروء بين طهري كل قرء منهن قرء ، هو خلاف ما احتسبته لنفسها قروءا تتربصهن . فإذا انقضين ، فقد حلت للأزواج ، وانقضت عدتها ، وذلك أنها إذا فعلت ذلك ، فقد دخلت في عداد من تربص من المطلقات بنفسها ثلاثة قروء ، بين طهري كل قرء منهن قرء له مخالف . وإذا فعلت ذلك ، كانت مؤدية ما ألزمها ربها تعالى ذكره بظاهر تنزيله .

فقد تبين إذا - إذ كان الأمر على ما وصفنا - أن القرء الثالث من أقرائها على ما بينا ، الطهر الثالث وأن بانقضائه ومجيء قرء الحيض الذي يتلوه ، انقضاء عدتها . [ ص: 514 ]

فإن ظن ذو غباء أنا إذ كنا قد نسمي وقت مجيء الطهر " قرءا " ، ووقت مجيء الحيض " قرءا " ، أنه يلزمنا أن نجعل عدة المرأة منقضية بانقضاء الطهر الثاني ، إذ كان الطهر الذي طلقها فيه ، والحيضة التي بعده ، والطهر الذي يتلوها " أقراء " كلها فقد ظن جهلا .

وذلك أن الحكم عندنا - في كل ما أنزله الله في كتابه - على ما احتمله ظاهر التنزيل ، ما لم يبين الله تعالى ذكره لعباده ، أن مراده منه الخصوص ، إما بتنزيل في كتابه ، أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإذا خص منه البعض ، كان الذي خص من ذلك غير داخل في الجملة التي أوجب الحكم بها ، وكان سائرها على عمومها ، كما قد بينا في كتابنا : ( كتاب لطيف القول من البيان عن أصول الأحكام ) وغيره من كتبنا .

ف " الأقراء " التي هي أقراء الحيض بين طهري أقراء الطهر ، غير محتسبة من أقراء المتربصة بنفسها بعد الطلاق ، لإجماع الجميع من أهل الإسلام : أن " الأقراء " التي أوجب الله عليها تربصهن ، ثلاثة قروء ، بين كل قرء منهن أوقات مخالفات المعنى لأقرائها التي تربصهن ، وإذ كن مستحقات عندنا اسم " أقراء " ، فإن ذلك من إجماع الجميع لم يجز لها التربص إلا على ما وصفنا قبل .

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية دليل واضح على خطإ قول من قال : " إن امرأة المولي التي آلى منها ، تحل للأزواج بانقضاء الأشهر الأربعة ، إذا كانت قد حاضت ثلاث حيض في الأشهر الأربعة " . لأن الله تعالى ذكره إنما أوجب عليها العدة بعد عزم المولي على طلاقها ، وإيقاع الطلاق بها بقوله : " وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " ، فأوجب تعالى [ ص: 515 ] ذكره على المرأة إذا صارت مطلقة - تربص ثلاثة قروء فمعلوم أنها لم تكن مطلقة يوم آلى منها زوجها ، لإجماع الجميع على أن الإيلاء ليس بطلاق موجب على المولي منها العدة .

وإذ كان ذلك كذلك ، فالعدة إنما تلزمها بعد الطلاق ، والطلاق إنما يلحقها بما قد بيناه قبل .

قال أبو جعفر : وأما معنى قوله : " والمطلقات " فإنه : والمخليات السبيل ، غير ممنوعات بأزواج ولا مخطوبات ، وقول القائل : " فلانة مطلقه " إنما هو " مفعلة " من قول القائل : " طلق الرجل زوجته فهي مطلقة " . وأما قولهم : " هي طالق " ، فمن قولهم : " طلقها زوجها فطلقت هي ، وهي تطلق طلاقا ، وهي طالق " . وقد حكي عن بعض أحياء العرب أنها تقول : " طلقت المرأة " . وإنما قيل ذلك لها ، إذا خلاها زوجها ، كما يقال للنعجة المهملة بغير راع ولا كالئ ، إذا خرجت وحدها من أهلها للرعي مخلاة سبيلها : " هي طالق " ، فمثلت المرأة المخلاة سبيلها بها ، وسميت بما سميت به النعجة التي وصفنا أمرها . وأما قولهم : " طلقت المرأة " ، فمعنى غير هذا ، إنما يقال في هذا إذا نفست . هذا من " الطلق " ، والأول من " الطلاق " .

وقد بينا أن " التربص " إنما هو التوقف عن النكاح ، وحبس النفس عنه في غير هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية