الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 124 ] القول في تأويل قوله تعالى ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : صدق الرسول يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقر " بما أنزل إليه " يعني : بما أوحي إليه من ربه من الكتاب ، وما فيه من حلال وحرام ، ووعد وعيد ، وأمر ونهي ، وغير ذلك من سائر ما فيه من المعاني التي حواها .

وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية عليه قال : يحق له .

6499 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية قال : ويحق له أن يؤمن .

وقد قيل : إنها نزلت بعد قوله : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير " لأن المؤمنين برسول الله من أصحابه شق عليهم ما توعدهم الله به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لعلكم تقولون : " سمعنا وعصينا " كما قالت بنو إسرائيل ! فقالوا : [ ص: 125 ] بل نقول : " سمعنا وأطعنا " ! فأنزل الله لذلك من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول أصحابه : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " يقول : وصدق المؤمنون أيضا مع نبيهم بالله وملائكته وكتبه ورسله ، الآيتين . وقد ذكرنا قائلي ذلك قبل .

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " وكتبه " .

فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض قرأة أهل العراق ( وكتبه ) على وجه جمع " الكتاب " على معنى : والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وجميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ورسله .

وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة : ( وكتابه ) ، بمعنى : والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وبالقرآن الذي أنزله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : " وكتابه " ويقول : الكتاب أكثر من الكتب . وكأن ابن عباس يوجه تأويل ذلك إلى نحو قوله : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) [ سورة العصر : 1 - 2 ] ، بمعنى جنس " الناس " وجنس " الكتاب " كما يقال : " ما أكثر درهم فلان وديناره " ويراد به جنس الدراهم والدنانير . وذلك وإن كان مذهبا من المذاهب معروفا ، فإن الذي هو أعجب إلي من القراءة في ذلك أن يقرأ بلفظ الجمع ؛ لأن الذي قبله جمع ، والذي بعده كذلك - أعني بذلك : " وملائكته وكتبه ورسله " - فإلحاق " الكتب " في الجمع لفظا به ، أعجب إلي من توحيده وإخراجه في اللفظ به بلفظ الواحد ، ليكون لاحقا في اللفظ والمعنى بلفظ ما قبله وما بعده ، وبمعناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية