الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولكن كونوا ربانيين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " ولكن " يقول لهم : " كونوا ربانيين " فترك " القول " استغناء بدلالة الكلام عليه .

وأما قوله : " كونوا ربانيين " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .

فقال بعضهم : معناه : كونوا حكماء علماء .

ذكر من قال ذلك :

7301 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : " كونوا ربانيين " قال : حكماء علماء .

7302 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : " كونوا ربانيين " قال : حكماء علماء . [ ص: 541 ]

7303 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن أبي رزين مثله .

7304 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين : " ولكن كونوا ربانيين " حكماء علماء .

7305 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " كونوا ربانيين " قال : كونوا فقهاء علماء .

7306 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " كونوا ربانيين " قال : فقهاء .

7307 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7308 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال أخبرني القاسم ، عن مجاهد قوله : " ولكن كونوا ربانيين " قال : فقهاء .

7309 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولكن كونوا ربانيين " قال : كونوا فقهاء علماء .

7310 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي رزين في قوله : " كونوا ربانيين " قال : علماء حكماء قال معمر : قال قتادة .

7311 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " كونوا ربانيين " أما " الربانيون " فالحكماء الفقهاء .

7312 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا سفيان ، عن [ ص: 542 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " الربانيون " الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار .

7313 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولكن كونوا ربانيين " يقول : كونوا حكماء فقهاء .

7314 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن يحيى بن عقيل في قوله : ( الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الفقهاء العلماء .

7315 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مثله .

7316 - حدثني ابن سنان القزاز قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " كونوا ربانيين " قال : كونوا حكماء فقهاء .

7317 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " كونوا ربانيين " يقول : كونوا فقهاء علماء .

وقال آخرون : بل هم الحكماء الأتقياء .

ذكر من قال ذلك :

7318 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قوله : " كونوا ربانيين " قال : حكماء أتقياء . [ ص: 543 ]

وقال آخرون : بل هم ولاة الناس وقادتهم .

ذكر من قال ذلك :

7319 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " كونوا ربانيين " قال : الربانيون : الذين يربون الناس ، ولاة هذا الأمر ، يربونهم : يلونهم . وقرأ : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الربانيون : الولاة ، والأحبار العلماء .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في " الربانيين " أنهم جمع " رباني " وأن " الرباني " المنسوب إلى " الربان " الذي يرب الناس ، وهو الذي يصلح أمورهم ، و " يربها " ويقوم بها ، ومنه قول علقمة بن عبدة :



وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني ، فضعت ، ربوب



يعني بقوله : " ربتني " : ولي أمري والقيام به قبلك من يربه ويصلحه ، فلم يصلحوه ، ولكنهم أضاعوني فضعت .

يقال منه : " رب أمري فلان ، فهو يربه ربا ، وهو رابه " . فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل : " هو ربان " كما يقال : " هو نعسان " من قولهم : " نعس ينعس " . وأكثر ما يجيء من الأسماء على " فعلان " ما كان من الأفعال ماضيه على " فعل " مثل قولهم : " هو سكران ، وعطشان ، وريان " من " سكر يسكر ، وعطش يعطش ، وروي يروى " . وقد يجيء مما كان ماضيه على " فعل يفعل " نحو ما قلنا من " نعس ينعس " و " رب يرب " .

فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا وكان " الربان " ما ذكرنا ، [ ص: 544 ] و " الرباني " هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين ، يرب أمور الناس ، بتعليمه إياهم الخير ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم وكان كذلك الحكيم التقي لله ، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق ، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم ، وعائدة النفع عليهم في دينهم ، ودنياهم كانوا جميعا يستحقون أن [ يكونوا ] ممن دخل في قوله - عز وجل - : " ولكن كونوا ربانيين " .

ف " الربانيون " إذا ، هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا . ولذلك قال مجاهد : " وهم فوق الأحبار " لأن " الأحبار " هم العلماء ، و " الرباني " الجامع إلى العلم والفقه ، البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية