الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 349 ] ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( 33 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( وقرن في بيوتكن ) قرأ أهل المدينة وعاصم : " وقرن " بفتح القاف ، وقرأ الآخرون بكسرها ، فمن فتح القاف فمعناه ، اقررن أي : الزمن بيوتكن من قولهم : قررت بالمكان أقر قرارا ، يقال : قررت أقر وقررت أقر ، وهما لغتان ، فحذفت الراء الأولى التي هي عين الفعل لثقل التضعيف ونقلت حركتها إلى القاف كقولهم : في ظللت ظلت ، قال الله تعالى : " فظلتم تفكهون " ( الواقعة - 65 ) ، " و ظلت عليه عاكفا " ( طه - 97 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن كسر القاف فقد قيل : هو من قررت أقر ، معناه اقررن - بكسر الراء - فحذفت الأولى ونقلت حركتها إلى القاف كما ذكرنا وقيل : - وهو الأصح - أنه أمر من الوقار ، كقولهم من الوعد : عدن ، ومن الوصل : صلن ، أي : كن أهل وقار وسكون ، من قولهم وقر فلان يقر وقورا إذا سكن واطمأن .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ولا تبرجن ) قال مجاهد وقتادة : التبرج هو التكسر والتغنج ، وقال ابن أبي نجيح : هو التبختر . وقيل : هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال ( تبرج الجاهلية الأولى ) اختلفوا في الجاهلية الأولى .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشعبي : هي ما بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو العالية : هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام ، كانت المرأة تلبس قميصا من الدر غير مخيط من الجانبين فيرى خلقها فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي : كان ذلك في زمن نمرود الجبار ، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس ، وكانت ألف سنة ، وأن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة ، وأن إبليس أتى رجلا [ ص: 350 ] من أهل السهل وأجر نفسه منه ، فكان يخدمه واتخذ شيئا مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يستمعون إليه ، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة ، فتتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن ، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك [ فتحولوا إليهم ] فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهم ، فذلك قوله تعالى : " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : هي ما قبل الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : الجاهلية الأولى : ما ذكرنا ، والجاهلية الأخرى : قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى ، كقوله تعالى : " وأنه أهلك عادا الأولى " ( النجم - 50 ) ، ولم يكن لها أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله - عز وجل - : ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) أراد بالرجس : الإثم الذي نهى الله النساء عنه ، قاله مقاتل . وقال ابن عباس : يعني : عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضى ، وقال قتادة : يعني : السوء . وقال مجاهد : الرجس الشك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأراد بأهل البيت : نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهن في بيته ، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وتلا قوله : " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله " ، وهو قول عكرمة ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب أبو سعيد الخدري ، وجماعة من التابعين ، منهم مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما : إلى أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين .

                                                                                                                                                                                                                                      حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعدي ، أخبرنا أبو همام الوليد بن شجاع ، أخبرنا يحيى بن زكريا بن زائدة ، أخبرنا أبي عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة الحجبية ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء حسن فأدخله فيه ، ثم جاء حسين فأدخله فيه ، ثم قال : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " . [ ص: 351 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الحميدي ، أخبرنا عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم ، أخبرنا عثمان بن عمر ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن شريك بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أم سلمة قالت : في بيتي أنزلت : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) قالت : فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين ، فقال " هؤلاء أهل بيتي " ، قالت : فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت ؟ قال : " بلى إن شاء الله " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال زيد بن أرقم : أهل بيته من حرم الصدقة عليه بعده ، آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية