الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب العتيرة

                                                                                                                                                                                                        5157 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال الزهري حدثنا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا فرع ولا عتيرة قال والفرع أول نتاج كان ينتج لهم كانوا يذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب [ ص: 511 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 511 ] قال : ( باب العتيرة ) ، وذكر فيه الحديث بعينه من رواية سفيان وهو ابن عيينة عن الزهري ، ووقع في رواية الحميدي عن سفيان " حدثنا الزهري " وأخرجه أبو نعيم من طريقه ، وشذ ابن أبي عمر فرواه عن سفيان عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر أخرجه ابن ماجه وقال إنه من فوائد ابن أبي عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ولا عتيرة ) بفتح المهملة وكسر المثناة بوزن عظيمة ، قال القزاز سميت عتيرة بما يفعل من الذبح وهو العتر " فهي فعيلة بمعنى مفعولة هكذا جاء بلفظ النفي والمراد به النهي ، وقد ورد بصيغة النهي في رواية النسائي وللإسماعيلي بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " ووقع في رواية لأحمد " لا فرع ولا عتيرة في الإسلام " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال والفرع ) لم يتعين هذا القائل هنا ، ووقع في رواية مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر موصولا التفسير بالحديث ، ولأبي داود من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال " الفرع أول النتاج " الحديث جعله موقوفا على سعيد بن المسيب ، وقال الخطابي : أحسب التفسير فيه من قول الزهري . قلت : قد أخرج أبو قرة في " السنن " الحديث عن عبد المجيد بن أبي داود عن معمر ، وصرح في روايته أن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أول النتاج ) في رواية الكشميهني " نتاج " بغير ألف ولام ، وهو بكسر النون بعدها مثناة خفيفة وآخره جيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كان ينتج لهم ) بضم أوله وفتح ثالثه : يقال نتجت الناقة بضم النون وكسر المثناة إذا ولدت ، ولا يستعمل هذا الفعل إلا هـكذا وإن كان مبنيا للفاعل .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كانوا يذبحونه لطواغيتهم ) زاد أبو داود عن بعضهم " ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر " فيه إشارة إلى علة النهي ، واستنبط الشافعي منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعا بينه وبين حديث " الفرع حق " وهو حديث أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ، كذا في رواية الحاكم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع ، قال : الفرع حق ، وأن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره وتوله ناقتك وللحاكم من طريق عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة من قوله " الفرعة حق ; ولا تذبحها وهي تلصق في يدك ، ولكن أمكنها من اللبن حتى إذا كانت من خيار المال فاذبحها ، قال الشافعي فيما نقله البيهقي من طريق المزني عنه : الفرع شيء كان أهل الجاهلية يذبحونه يطلبون به البركة في أموالهم ، فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته رجاء البركة فيما يأتي بعده ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمها فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه ، وأمرهم استحبابا أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله . وقوله " حق " أي ليس بباطل ، وهو كلام خرج على جواب السائل ، ولا مخالفة بينه وبين حديث الآخر " لا فرع ولا عتيرة " فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة . وقال غيره معنى قوله " لا فرع ولا عتيرة " أي ليسا في تأكد الاستحباب كالأضحية ، والأول أولى . وقال النووي : نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان ، ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه [ ص: 512 ] وصححه الحاكم وابن المنذر عن نبيشة - بنون وموحدة ومعجمة مصغر - قال " نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب ، فما تأمرنا ؟ قال : اذبحوا لله في أي شهر كان . قال : إنا كنا نفرع في الجاهلية . قال : في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه ، فإن ذلك خير " وفي رواية أبي داود عن أبي قلابة " السائمة مائة " ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما ، وإنما أبطل صفة من كل منهما ، فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد ، ومن العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب .

                                                                                                                                                                                                        وأما الحديث الذي أخرج أصحاب السنن من طريق أبي رملة عن مخنف بن محمد بن سليم قال " كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فسمعته يقول : يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة ، هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي يسمونها الرجبية " فقد ضعفه الخطابي ، لكن حسنه الترمذي . وجاء من وجه آخر عن عبد الرزاق عن مخنف بن سليم . ويمكن رده إلى ما حمل عليه حديث نبيشة . وروى النسائي وصححه الحاكم من حديث الحارث بن عمرو أنه " لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فقال رجل : يا رسول الله العتائر والفرائع ؟ قال : من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع " وهذا صريح في عدم الوجوب لكن لا ينفي الاستحباب ولا يثبته ، فيؤخذ الاستحباب من حديث آخر . وقد أخرج أبو داود من حديث أبي العشراء عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها " وأخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من طريق وكيع بن عديس عن عمه أبي رزين العقيلي قال " قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا ، فقال : لا بأس به .

                                                                                                                                                                                                        قال وكيع بن عديس : فلا أدعه " وجزم أبو عبيد بأن العتيرة تستحب ، وفي هذا تعقب على من قال : إن ابن سيرين تفرد بذلك . ونقل الطحاوي عن ابن عون أنه كان يفعله ، ومال ابن المنذر إلى هذا وقال : كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الإسلام بالإذن ، ثم نهى عنهما ، والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يفعل ، وما قال أحد إنه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما إلا ابن سيرين ، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النسخ ، وبه جزم الحازمي ، وما تقدم نقله عن الشافعي يرد عليهم ، وقد أخرج أبو داود والحاكم والبيهقي - واللفظ له - بسند صحيح عن عائشة " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة في كل خمسين واحدة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( والعتيرة في رجب ) في رواية الحميدي " والعتيرة الشاة تذبح عن أهل بيت في رجب " وقال أبو عبيد : العتيرة هي الرجبية ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم ، وقال غيره : العتيرة نذر كانوا ينذرونه ، من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا في رجب . وذكر ابن سيده أن العتيرة أن الرجل كان يقول في الجاهلية إن بلغ إلى مائة عترت منها عتيرة ، زاد في الصحاح في رجب . ونقل أبو داود تقييدها بالعشر الأول من رجب ، ونقل النووي الاتفاق عليه ، وفيه نظر

                                                                                                                                                                                                        " خاتمة " :

                                                                                                                                                                                                        اشتمل كتاب العقيقة وما معه من الفرع والعتيرة على اثني عشر حديثا ، المعلق منها ثلاثة والبقية موصولة ، المكرر منها فيه وفيما مضى ثمانية والخالص أربعة ، وافقه مسلم على تخريج حديث أنس وأبي هريرة واختص بتخريج حديث سلمان وسمرة . وفيه من الآثار قول سلمان في العقيقة ، وتفسير الفرع والعتيرة . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية