الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        وقال باب فضل العمل في أيام التشريق وقال ابن عباس واذكروا الله في أيام معلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وكبر محمد بن علي خلف النافلة

                                                                                                                                                                                                        926 حدثنا محمد بن عرعرة قال حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب فضل العمل في أيام التشريق ) مقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر ، على اختلافهم هل هي ثلاثة أو يومان ، لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها . وقد حكى أبو عبيد أن فيه قولين : أحدهما لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي ، أي يقددونها ويبرزونها للشمس . ثانيهما لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر فصارت تبعا ليوم النحر . قال : وهذا أعجب القولين إلي ، وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس . وعن ابن الأعرابي قال : سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس ، وعن يعقوب بن السكيت قال : هو من قول الجاهلية : أشرق ثبير كيما نغير ، أي ندفع لننحر . انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وأظنهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو يوم العيد ، وإلا فهي في الحقيقة تبع له في التسمية كما تبين من كلامهم . ومن ذلك حديث علي " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع " أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا ، ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد . قال : وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول : لا تكبير إلا على أهل الأمصار . قال : وهذا لم نجد أحدا يعرفه ، ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما . انتهى .

                                                                                                                                                                                                        ومن ذلك حديث " من ذبح قبل التشريق أي قبل صلاة العيد - فليعد " رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي ورجاله ثقات ، وهذا كله يدل على أن يوم العيد من أيام التشريق ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 531 ] قوله : ( وقال ابن عباس : ويذكروا اسم الله في أيام معلومات كذا لأبي ذر عن الكشميهني . وفي رواية كريمة وابن شبويه " وقال ابن عباس : واذكروا الله إلخ " وللحموي والمستملي " ويذكروا الله في أيام معدودات " واعترض عليه بأن التلاوة ويذكروا اسم الله في أيام معلومات أو واذكروا الله في أيام معدودات وأجيب بأنه لم يقصد التلاوة ، وإنما حكى كلام ابن عباس ، وابن عباس أراد تفسير " المعدودات والمعلومات " وقد وصله عبد بن حميد من طريق عمرو بن دينار عنه وفيه " الأيام المعدودات أيام التشريق ، والأيام المعلومات أيام العشر " وروى ابن مردويه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال " الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، والمعدودات أيام التشريق " إسناده صحيح ، وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق . وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن عباس " أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده " ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى : ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر . انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ، ولا أيام التشريق معدودات ، بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى : واذكروا الله في أيام معدودات الآية . وقد قيل : إنها إنما سميت معدودات . لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرا أي في حكم حصر العدد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر إلخ ) لم أره موصولا عنهما ، وقد ذكره البيهقي أيضا معلقا عنهما وكذا البغوي ، وقال الطحاوي : كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام العشر . وقد اعترض على البخاري في ذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق ، وأجاب الكرماني بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطرادا . انتهى . والذي يظهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج ، ويدل على ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر ، والأثر الذي بعده في أيام التشريق . وسيأتي مزيد بيان لذلك بعد قليل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكبر محمد بن خلف النافلة ) هو أبو جعفر الباقر ، وقد وصله الدارقطني في المؤتلف من طريق معن بن عيسى القزاز قال حدثنا أبو وهنة رزيق المدني قال " رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل " وأبو وهنة بفتح الواو وسكون الهاء بعدها نون ، ورزيق بتقديم الراء مصغرا ، وفي سياق هذا الأثر تعقب على الكرماني حيث جعله يتعلق بتكبير أيام العشر كالذي قبله ، قال ابن التين : لم يتابع محمدا على هذا أحد ، كذا قال ، والخلاف ثابت عند المالكية والشافعية هل يختص التكبير الذي بعد الصلاة في العيد بالفرائض أو يعم ، واختلف الترجيح عند الشافعية ، والراجح عند المالكية الاختصاص .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سليمان ) هو الأعمش ، ومسلم هو البطين بفتح الموحدة لقب بذلك لعظم بطنه ، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فصرح بسماع الأعمش له منه ولفظه " عن الأعمش قال سمعت مسلما " وهكذا رواه الثوري وأبو معاوية وغيرهما من الحفاظ عن الأعمش ، وأخرجه أبو داود من رواية وكيع عن الأعمش فقال " عن مسلم ومجاهد وأبي صالح عن ابن عباس " فأما طريق مجاهد فقد [ ص: 532 ] رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبي عائشة عن مجاهد فقال " عن ابن عمر " بدل ابن عباس . وأما طريق أبي صالح فقد رواه أبو عوانة أيضا من طريق موسى بن أعين عن الأعمش فقال " عن أبي صالح عن أبي هريرة " والمحفوظ في هذا حديث ابن عباس ، وفيه اختلاف آخر عن الأعمش رواه أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش فقال : عن أبي وائل عن ابن مسعود " أخرجه الطبراني ، وقد وافق الأعمش على روايته له عن مسلم البطين سلمة بن كهيل عند أبي عوانة أيضا ، ورواه عن سعيد بن جبير أيضا القاسم بن أبي أيوب عند الدارمي وأبو عوانة وأبو جرير السختياني عند أبي عوانة وعدي بن ثابت عند البيهقي ، وسنذكر ما في رواياتهم من الفوائد والزوائد إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما العمل في أيام أفضل منها في هذه ) كذا لأكثر الرواة بالإبهام ، ووقع في رواية كريمة عن الكشميهني ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام التشريق ، وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري ، وحمله على ذلك ترجمة البخاري المذكورة فزعم أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق ، وفسر العمل بالتكبير لكونه أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير فقط . وقال ابن أبي جمرة : الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره ، قال : ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما تقدم من حديث عائشة ، ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام أنها أيام أكل وشرب كما رواه مسلم ، لأن ذلك لا يمنع العمل فيها ، بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ، ولم يمنع فيها منها إلا الصيام .

                                                                                                                                                                                                        قال : وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها ، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام ، وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده ثم من عليه بالفداء ، فثبت لها الفضل بذلك اهـ . وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يعارضه ، والسياق الذي وقع في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة بالإسناد المذكور . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة فقال " في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة " وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن شعبة . ووقع في رواية وكيع المقدم ذكرها " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعني أيام العشر ، وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش ، ورواه الترمذي عن رواية أبي معاوية فقال " من هذه الأيام العشر " بدون يعني ، وقد ظن بعض الناس أن قوله " يعني أيام العشر " تفسير من بعض رواته ، لكن ما ذكرناه من رواية الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر . وكذا وقع في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ " ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى " وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان " ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة " فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة ، لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب بأجوبة :

                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف ، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر ، وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام [ ص: 533 ] التشريق . ثانيها : أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه ، وبقية أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل ، ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها ، وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث ابن عباس كما تقدمت الإشارة إليها . ثالثها : أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد ، وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق ، فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه أيام التشريق ، لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه ، وهو يوم الحج الأكبر كما سيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالوا ولا الجهاد ) في رواية سلمة بن كهيل المذكورة " فقال رجل " ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تعيين هذا السائل ، وفي رواية غندر عند الإسماعيلي قال ولا الجهاد في سبيل الله مرتين وفي رواية سلمة بن كهيل أيضا " حتى أعادها ثلاثا " ودل سؤالهم هذا على تقرر أفضلية الجهاد عندهم ، وكأنهم استفادوه من قوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد فقال : لا أجده الحديث . وسيأتي في أوائل كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة ، ونذكر هناك وجه الجمع بينه وبين هذا الحديث إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا رجل خرج ) ) كذا للأكثر ، والتقدير إلا عمل رجل ، وللمستملي " إلا من خرج " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يخاطر ) أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلم يرجع بشيء ) أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له ، قال ابن بطال : هذا اللفظ يحتمل أمرين ، أن لا يرجع بشيء من ماله وإن رجع هو ، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة . وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد اهـ . وهو تعقب مردود ، فإن قوله فلم يرجع بشيء نكرة في سياق النفي فتعم ما ذكر ، وقد وقع في رواية الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة وكذا في أكثر الروايات التي ذكرناها فلم يرجع من ذلك بشيء . والحاصل أن نفي الرجوع بالشيء لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شيء ، بل هو على الاحتمال كما قال ابن بطال ، ويدل على الثاني وروده بلفظ يقتضيه ، فعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة بلفظ إلا من عقر جواده وأهريق دمه وعنده في رواية القاسم بن أبي أيوب إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله وفي طريق سلمة بن كهيل فقال : لا إلا أن لا يرجع وفي حديث جابر " إلا من عفر وجهه في التراب " فظهر بهذه الطرق ترجيح ما رده ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله ، وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة ، وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة ، وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملا من الأعمال بأفضل الأيام ، فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة ، لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكورة ، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة ، جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة رواه مسلم ، أشار إلى ذلك كله النووي في شرحه ، وقال الداودي : لم يرد عليه الصلاة والسلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة ؛ لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة ، يعني فيلزم تفضيل [ ص: 534 ] الشيء على نفسه . وتعقب بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة أم لا ، ويوم الجمعة فيه أفضل من الجمعة في غيره لاجتماع الفضلين فيه . واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل ، واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد ، وأجيب بأنه محمول على الغالب ، ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت " ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما العشر قط " لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته ، كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضا . والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره . وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم ؟ فيه احتمال . وقال ابن بطال وغيره : المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط ، لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال ، وثبت تحريم صومها ، وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك ، فدل على تفريغها لذلك ، مع الحض على الذكر المشروع منه فيها التكبير فقط ، ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير . وتعقبه الزين بن المنير بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاقه العبادة ، وهي لا تنافي استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر ، فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة . وقال الكرماني : الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير ، بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب ، قال : مع أنه لو حمل على التكبير وحده لم يبق لقول المصنف بعده " باب التكبير أيام منى " معنى ، ويكون تكرارا محضا اهـ . والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة هو الذكر المأمور به ، وقد فسر بالتكبير كما قال ابن بطال ، وأما المناسك فمختصة بالحاج ، وجزمه بأنه تكرار متعقب ، لأن الترجمة الأولى لفضل التكبير والثانية لمشروعيته وصفته ، أو أراد تفسير العمل المجمل في الأولى بالتكبير المصرح به في الثانية فلا تكرار .

                                                                                                                                                                                                        وقد وقع في رواية ابن عمر من الزيادة في آخره " فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير " وللبيهقي في الشعب من طريق عدي بن ثابت في حديث ابن عباس " فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير " وهذا يؤيد ما ذهب إليه ابن بطال ، وفي رواية عدي من الزيادة " وأن صيام يوم منها يعدل صيام سنة ، والعمل بسبعمائة ضعف " وللترمذي من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة " يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر " لكن إسناده ضعيف ، وكذا الإسناد إلى عدي بن ثابت ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية