الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1449 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سيار أبو الحكم قال سمعت أبا حازم قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت أبا حازم ) هو سلمان ، وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم يسمع من أبي هريرة ، وسيار ، أبو الحكم الراوي عنه بتقديم المهملة وتشديد التحتانية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من حج لله ) في رواية منصور ، عن أبي حازم الآتية قبيل جزاء الصيد : من حج هذا البيت . ولمسلم من طريق جريج ، عن منصور : من أتى هذا البيت . وهو يشمل الحج والعمرة . وقد أخرجه الدارقطني من طريق الأعمش ، عن أبي حازم بلفظ : من حج أو اعتمر لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلم يرفث ) الرفث الجماع ، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول ، وقال الأزهري : الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة ، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء . وقال عياض : هذا من قول الله تعالى : فلا رفث ولا فسوق والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع . انتهى . والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك ، وإليه نحا القرطبي ، وهو المراد بقوله في الصيام : فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث .

                                                                                                                                                                                                        ( فائدة ) : فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع ، والأفصح الفتح في الماضي ، والضم في المستقبل ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولم يفسق ) أي لم يأت بسيئة ولا معصية ، وأغرب ابن الأعرابي ، فقال : إن لفظ الفسق لم يسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم ، وإنما هو إسلامي ، وتعقب بأنه كثر استعماله في القرآن ، وحكايته عمن قبل الإسلام . وقال غيره : أصله انفسقت الرطبة إذا خرجت ، فسمي الخارج عن الطاعة فاسقا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رجع كيوم ولدته أمه ) أي بغير ذنب ، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات ، وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك ، وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري ، قال الطيبي : الفاء في قوله : " فلم يرفث " معطوف على الشرط ، وجوابه رجع ؛ أي صار ، والجار والمجرور خبر له ، ويجوز أن يكون حالا ؛ أي صار مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه اهـ . وقد وقع في رواية الدارقطني المذكورة : رجع كهيئته يوم ولدته أمه . وذكر لنا بعض الناس أن الطيبي [ ص: 448 ] أفاد أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال ، كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دل عليه ما ذكر ، ويحتمل أن يقال : إن ذلك يختلف بالقصد ، لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة ، أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضا ، فإن الفاحش منها داخل في عموم الرفث ، والحسن منها ظاهر في عدم التأثير ، والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية