الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1689 حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سألت مسروقا وعطاء ومجاهدا فقالوا اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج وقال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( شريح بن مسلمة ) بمعجمة أوله ومهملة آخره ، وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي ، ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ، ومجاهدا ، وقد سبق الكلام عليه وتقدم الكلام على الخلاف فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرما في حجته والجمع بين ما اختلف فيه من ذلك فأغنى عن إعادته ، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردا وحديثه هذا يشعر بأنه كان قارنا ، وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنا مع أن حديثه هذا يدل على أنه كان قارنا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق [ ص: 705 ] إلا أنه اعتمر مع حجته ، ولم يكن متمتعا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي ، واحتاج ابن بطال إلى تأويل ما وقع عن عائشة وابن عمر هنا فقال : إنما تجوز نسبة العمرة الرابعة إليه باعتبار أنه أمر الناس بها وعملت بحضرته لا أنه صلى الله عليه وسلم اعتمرها بنفسه ، ومن تأمل ما تقدم من الجمع استغنى عن هذا التأويل المتعسف .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن التين : في عدهم عمرة الحديبية التي صد عنها ما يدل على أنها عمرة تامة ، وفيه إشارة إلى صحة قول الجمهور إنه لا يجب القضاء على من صد عن البيت خلافا للحنفية ، ولو كانت عمرة القضية بدلا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة ، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صد عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة . وفيه دلالة على جواز الاعتمار في أشهر الحج بخلاف ما كان عليه المشركون . وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله ، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم . وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث . وقال النووي : سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أو شك ، وقال القرطبي : عدم إنكاره على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه رجع لقولها ، وقد تعسف من قال : إن ابن عمر أراد بقوله " اعتمر في رجب " عمرة قبل هجرته لأنه وإن كان محتملا لكن قول عائشة ما اعتمر في رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما وقد بينت الأربع وأنها لو كانت قبل الهجرة فما الذي كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الإشكال ؟ وأيضا فإن قول هذا القائل لأن قريشا كانوا يعتمرون في رجب يحتاج إلى نقل ، وعلى تقديره فمن أين له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم ؟ وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة ؟




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية