الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها

                                                                                                                                                                                                        2427 حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة [ ص: 233 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 233 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها ) كذا للجميع ، إلا للكشميهني وابن شبويه فقالا : " فيها " بدل " عليها " . وأخر النسفي البسملة . والهبة بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة تطلق بالمعنى الأعم على أنواع الإبراء ، وهو هبة الدين ممن هو عليه ، والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة ، والهدية وهي ما يكرم به الموهوب له . ومن خصها بالحياة أخرج الوصية وهي تكون أيضا بالأنواع الثلاثة . وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل ، وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك بلا عوض ، وصنيع المصنف محمول على المعنى الأعم لأنه أدخل فيها الهدايا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ) كذا للأكثر وسقط " عن أبيه " من رواية الأصيلي [ ص: 234 ] وكريمة ، وضبب عليه في رواية النسفي ، والصواب إثباته . وكذا أخرجه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى ، وأبو نعيم من طريق إسماعيل القاضي ، وأبو عوانة عن إبراهيم الحربي كلهم عن عاصم بن علي شيخ البخاري فيه . ومن طريق شبابة وعثمان بن عمرو بن المبارك عند الإسماعيلي ، وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " عن آدم كلهم عن ابن أبي ذئب كذلك ، وكذلك رواه الليث عن سعيد كما سيأتي في كتاب الأدب ، وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة لم يقل " عن أبيه " وزاد في أوله " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر " الحديث ، وقال : غريب ، وأبو معشر يضعف . وقال الطرقي إنه أخطأ فيه حيث لم يقل فيه " عن أبيه " كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد ، وأخرجه أبو عوانة . نعم من زاد فيه " عن أبيه " أحفظ وأضبط فروايتهم أولى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم ) في رواية عثمان بن عمر " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يا نساء المسلمات ) قال عياض : الأصح الأشهر نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة ، وهي رواية المشارقة من إضافة الشيء إلى صفته كمسجد الجامع ، وهو عند الكوفيين على ظاهره ، وعند البصريين يقدرون فيه محذوفا . وقال السهيلي وغيره : جاء برفع الهمزة على أنه منادى مفرد ، ويجوز في المسلمات الرفع صفة على اللفظ على معنى يا أيها النساء المسلمات ، والنصب صفة على الموضع ، وكسرة التاء علامة النصب ، وروي بنصب الهمزة على أنه منادى مضاف وكسرة التاء للخفض بالإضافة كقولهم مسجد الجامع ، وهو مما أضيف فيه الموصوف إلى الصفة في اللفظ ، فالبصريون يتأولونه على حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه نحو يا نساء الأنفس المسلمات أو يا نساء الطوائف المؤمنات أي لا الكافرات ، وقيل تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي أفاضلهم ، والكوفيون يدعون أن لا حذف فيه ويكتفون باختلاف الألفاظ في المغايرة .

                                                                                                                                                                                                        وقال ابن رشيد : توجيهه أنه خاطب نساء بأعيانهن فأقبل بندائه عليهن فصحت الإضافة على معنى المدح لهن ، فالمعنى يا خيرات المؤمنات كما يقال رجال القوم ، وتعقب بأنه لم يخصصهن به لأن غيرهن يشاركهن في الحكم ، وأجيب بأنهما يشاركنهن بطريق الإلحاق ، وأنكر ابن عبد البر رواية الإضافة ، ورده ابن السيد بأنها قد صحت نقلا وساعدتها اللغة فلا معنى للإنكار . وقال ابن بطال : يمكن تخريج يا نساء المسلمات على تقدير بعيد وهو أن يجعل نعتا لشيء محذوف كأنه قال : يا نساء الأنفس المسلمات ، والمراد بالأنفس الرجال ، ووجه بعده أنه يصير مدحا للرجال وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما خاطب النساء ، قال : إلا أن يراد بالأنفس الرجال والنساء معا ، وأطال في ذلك ، وتعقبه ابن المنير . وقد رواه الطبراني من حديث عائشة بلفظ " يا نساء المؤمنين " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جارة لجارتها ) كذا للأكثر ، ولأبي ذر " لجارة " والمتعلق محذوف تقديره هدية مهداة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرسن ) بكسر الفاء والمهملة بينهما راء ساكنة وآخره نون هو عظم قليل اللحم ، وهو للبعير موضع الحافر للفرس ، ويطلق على الشاة مجازا ، ونونه زائدة وقيل أصلية ، وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلا فهو خير من العدم ، وذكر [ ص: 235 ] الفرسن على سبيل المبالغة ، ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدى إليها وأنها لا تحتقر ما يهدى إليها ولو كان قليلا ، وحمله على الأعم من ذلك أولى . وفي حديث عائشة المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة ، فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت ، وإذا تواصل اليسير صار كثيرا . وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية