الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو العاص بن الربيع

                                                                                                                                                                                                        3523 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني علي بن حسين أن المسور بن مخرمة قال إن عليا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح بنت أبي جهل فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن مسور سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي [ ص: 107 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 107 ] قوله : ( ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم ) أي الذين تزوجوا إليه ، والصهر يطلق على جميع أقارب المرأة والرجل ، ومنهم من يخصه بأقارب المرأة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( منهم أبو العاص بن الربيع ) أي ابن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ، ويقال بإسقاط ربيعة ، وهو مشهور بكنيته ، واختلف في اسمه على أقوال أثبتها عند الزبير مقسم . وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة فكان ابن أختها ، وأصل المصاهرة المقاربة ، وقال الراغب : الصهر : الختن ، وأهل بيت المرأة يقال لهم : الأصهار قاله الخليل ، وقال ابن الأعرابي : الأصهار ما يتحرم بجوار أو نسب أو تزوج ، وكأنه لمح بالترجمة إلى ما جاء عن عبد الله بن أبي أوفى رفعه سألت ربي أن لا أتزوج أحدا من أمتي ولا أتزوج إليه إلا كان معي في الجنة ، فأعطاني أخرجه الحاكم في مناقب علي ، وله شاهد عن عبد الله بن عمر وعند الطبراني في " الأوسط " بسند واه .

                                                                                                                                                                                                        وقال النووي : الصهر يطلق على أقارب الزوجين ، والمصاهرة مقاربة بين المتباعدين . وعلى هذا عمل البخاري فإن أبا العاص بن الربيع ليس من أقارب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من جهة كونه ابن أخت خديجة ، وليس المراد هنا نسبته إليها بل إلى تزوجه بابنتها ، وتزوج زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة وهي أكبر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أسر أبو العاص ببدر مع المشركين وفدته زينب فشرط عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسلها إليه فوفى له بذلك ، فهذا معنى قوله في آخر الحديث : " ووعدني فوفى لي " ، ثم أسر أبو العاص مرة أخرى فأجارته زينب فأسلم ، فردها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نكاحه ، وولدت أمامة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحملها وهو يصلي كما تقدم في الصلاة ، وولدت له أيضا ابنا اسمهعلي كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مراهقا ، فيقال : إنه مات قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما أبو العاص فمات سنة اثنتي عشرة وأشار المصنف بقوله " منهم " إلى من لم يذكره ممن تزوج إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كعثمان وعلي ، وقد تقدم ترجمة كل منهما ، ولم يتزوج أحد من بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هؤلاء الثلاثة ، إلا ابن أبي لهب فإنه كان تزوج رقية قبل عثمان ولم يدخل بها ، فأمره أبوه بمفارقتها ففارقها ، فتزوجها عثمان . وأما من تزوج النبي صلى الله عليه [ ص: 108 ] وسلم إليه فلم يقصده البخاري بالذكر هنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن عليا خطب بنت أبي جهل ) اسمها جويرية كما سيأتي ، ويقال : العوراء . ويقال : جميلة ، وكان علي قد أخذ بعموم الجواز ، فلما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرض علي عن الخطبة ، فيقال : تزوجها عتاب بن أسيد ، وإنما خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به إما على سبيل الإيجاب وإما على سبيل الأولوية . وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة فزعم أن هذا الحديث موضوع ؛ لأنه من رواية المسور وكان فيه انحراف عن علي ، وجاء من رواية ابن الزبير وهو أشد في ذلك ، ورد كلامه بإطباق أصحاب الصحيح على تخريجه ، وسيأتي بسط ما يتعلق بذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ) في رواية الطبراني عن أبي اليمان " وهذا علي ناكحا " بالنصب ، وكذا عند مسلم من هذا الوجه ، أطلقت عليه اسم ناكح مجازا باعتبار ما كان قصد يفعل ، واختلف في اسم ابنة أبي جهل فروى الحاكم في " الإكليل " جويرية وهو الأشهر ، وفي بعض الطرق اسمها العوراء أخرجه ابن طاهر في " المبهمات " ، وقيل اسمها الحنفاء ذكره ابن جرير الطبري ، وقيل : جرهمة حكاه السهيلي ، وقيل : اسمها جميلة ذكره شيخنا ابن الملقن في شرحه . وكان لأبي جهل بنت تسمى صفية تزوجها سهل بن عمرو سماها ابن السكيت وغيره وقال : هي الحنفاء المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني فصدقني ) لعله كان شرط على نفسه أن لا يتزوج على زينب ، وكذلك علي ، فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أن عليا نسي ذلك الشرط فلذلك أقدم على الخطبة ، أو لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط لكن كان ينبغي له أن يراعي هذا القدر فلذلك وقعت المعاتبة ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قل أن يواجه أحدا بما يعاب به ، ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام ، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة ، ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرها ، وكانت أصيبت بعد أمها بإخوتها ، فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها ، وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة - بمهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة - وقد تقدم هذا الحديث من روايته موصولا في أوائل فرض الخمس مطولا وفيه ذكر بعض ما يتعلق به .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية