الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3608 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما بشر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة قال نعم ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الخامس قوله : ( عن إسماعيل ) هو ابن أبي خالد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قلت لعبد الله بن أبي أوفى إلخ ) هذا مما حمله التابعي عن الصحابي عرضا ، وليس هذا من التلقين ; لأن التلقين لا استفهام فيه وإنما يقول الطالب للشيخ : قل حدثنا فلان بكذا . فيحدث به من غير أن يكون عارفا بحديثه ولا بعدالة الطالب ، فلا يؤمن أن لا يكون ذلك الطالب ضابطا لذلك القدر فيدل على تساهل الشيخ ، فلذلك عابوه على من فعله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بشر النبي - صلى الله عليه وسلم ) هو استفهام محذوف الأداة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : نعم ) في رواية مسلم " بشر خديجة ببيت من قصب ، قال : نعم إلخ " ووقع في رواية جرير عن إسماعيل أنهم قالوا لعبد الله بن أبي أوفى : " حدثنا ما قال لخديجة : قال : قال : بشروا خديجة " فذكر الحديث ، هكذا تقدم في أبواب العمرة من البخاري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من قصب ) بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة ، قال ابن التين : المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف . قلت : عند الطبراني في " الأوسط " من طريق أخرى عن ابن أبي أوفى " يعني قصب اللؤلؤ " ، وعنده في " الكبير " من حديث أبي هريرة " بيت من لؤلؤة مجوفة " وأصله في مسلم ، وعنده في الأوسط " من حديث فاطمة قالت : قلت : يا رسول الله ، أين أمي خديجة ؟ قال : في بيت من قصب . قلت : أمن هذا القصب ؟ قال : لا ، من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت قال السهيلي : النكتة في قوله : " من قصب " ولم يقل : من لؤلؤ ؛ أن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها ، ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع هذا الحديث . انتهى . وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه ، وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها ، إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها . وأما قوله : " ببيت " فقال أبو بكر الإسكاف في " فوائد الأخبار " : المراد به بيت زائد على ما أعد الله لها من ثواب عملها ، ولهذا قال : " لا نصب فيه " أي لم تتعب بسببه . قال السهيلي : لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به ، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيت إسلام إلا بيتها ، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضا غيرها . قال : وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وإن كان أشرف منه ، فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ [ ص: 172 ] القصر . انتهى . وفي ذكر البيت معنى آخر ; لأن مرجع أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها ، لما ثبت في تفسير قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت أم سلمة لما نزلت دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وعليا والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي وغيره ، ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة ، لأن الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها ، وعلي نشأ في بيت خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها ، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا صخب فيه ولا نصب ) الصخب بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة : الصياح والمنازعة برفع الصوت ، والنصب بفتح النون والمهملة بعدها موحدة التعب . وأغرب الداودي فقال : الصخب : العيب ، والنصب : العوج ، وهو تفسير لا تساعد عليه اللغة . وقال السهيلي : مناسبة نفي هاتين الصفتين - أعني المنازعة والتعب - أنه - صلى الله عليه وسلم - لما دعا إلى الإسلام أجابت خديجة طوعا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك ، بل أزالت عنه كل نصب ، وآنسته من كل وحشة ، وهونت عليه كل عسير ، فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية