الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3687 قال يحيى بن حمزة وحدثني الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي فسألناها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام واليوم يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال يحيى بن حمزة : وحدثني الأوزاعي ) هو معطوف على الذي قبله ، وقد أفردهما في أواخر غزوة الفتح ، وأورد كل واحد منهما عن إسحاق بن يزيد المذكور بإسناده ، وأخرج ابن حبان الثاني من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : " سألته عن انقطاع فضيلة الهجرة إلى الله ورسوله فقال " فذكره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عطاء ) في رواية ابن حبان " حدثنا عطاء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي ) تقدم في أبواب الطواف من الحج أنها كانت حينئذ مجاورة في جبل ثبير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسألها عن الهجرة ) أي التي كانت قبل الفتح واجبة إلى المدينة ثم نسخت بقوله : لا هجرة بعد الفتح وأصل الهجرة هجر الوطن ، وأكثر ما يطلق على من رحل من البادية إلى القرية ، ووقع عند الأموي في المغازي من وجه آخر عن عطاء " فقالت إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا هجرة اليوم ) أي بعد الفتح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلخ ) أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة ، والحكم يدور مع علته ، فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت ، ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في " باب وجوب النفير " في الجمع بين حديث ابن عباس لا هجرة بعد الفتح وحديث عبد الله بن السعدي لا تنقطع الهجرة وقال الخطابي : كانت الهجرة أي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام مطلوبة ، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين ، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب . وقال البغوي في " شرح السنة " : يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى . بقوله : لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة ، وقوله : " لا تنقطع " أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام ، قال : ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله : لا هجرة أي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن ، وقوله : " لا تنقطع " أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : الذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير ، وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله ، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " أي : ما دام في الدنيا دار كفر ، [ ص: 271 ] فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه ، ومفهومه أنه لو قدر ألا يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم . وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بغير عذر كان كافرا ، وهو إطلاق مردود ، والله أعلم . الحديث الثامن .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية