الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3967 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر تابعه معمر عن الزهري وقال شبيب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني ابن المسيب وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة قال شهدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا وقال ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعه صالح عن الزهري وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد الله بن كعب قال أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قال الزهري وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا يعقوب ) هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني ، وأبو حازم هو سلمة بن دينار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( التقى هو والمشركون ) في رواية ابن أبي حازم الآتية بعد قليل " في بعض مغازيه " ولم أقف على تعيين كونها خيبر ، لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة ، وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر ، فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه اتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره ، وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه . وأيضا ففي حديث سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم لما أخبروه بقصته : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة " الحديث ، وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته : قم يا بلال فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح ابن التين إلى التعدد ، ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة ، وأما الأول فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت ، لكن جزم ابن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد ، قال : واسم الرجل قزمان الظفري ، وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء ، فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب ، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول : الموت أحسن من الفرار . فمر به قتادة بن النعمان فقال له : هنيئا لك الشهادة . قال : والله إني ما قاتلت على دين ، وإنما قاتلت على حسب قومي . ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف ، نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد : ما رأينا مثل ما أبلى فلان ، لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح ، وليس فيه تسميته ، وسعيد مختلف فيه ، وما أظن روايته خفيت على البخاري ، وأظنه لم يلتفت إليها ؛ لأن في بعض طرقه عن أبي حازم " غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وظاهره يقتضي أنها غير أحد ؛ لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره ؛ لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد ابن عشرة أو إحدى عشرة ، على أنه حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يلزم من ذلك أن يقول : " غزونا " إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة ، لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره ) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل ) وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذا الكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ، ويعكر عليه ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 540 ] قوله : ( شاذة ولا فاذة ) الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة ، وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم ، ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة ، والهاء فيهما للمبالغة ، والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله ، وقيل : المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر ، وقيل : الشاذ : الخارج ، والفاذ : المنفرد ، وقيل : هما بمعنى ، وقيل : الثاني إتباع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال ) أي قائل ، وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ " فقيل " ووقع هنا للكشميهني " فقلت : " فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما أجزأ ) بالهمزة أي ما أغنى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : إنه من أهل النار ) في رواية ابن أبي حازم المذكورة " فقالوا : أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار " وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني قال : قلنا : يا رسول الله فلان يجزئ في القتال . قال : هو في النار . قلنا : يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن ؟ قال : ذلك أخباث النفاق . قال : فكنا نتحفظ عليه في القتال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال رجل من القوم : أنا صاحبه ) في رواية ابن أبي حازم " لأتبعنه " وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجرح جرحا شديدا ) المصنف زاد في حديث أكثم فقلنا : يا رسول الله قد استشهد فلان . قال : هو في النار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ) في رواية ابن أبي حازم " فوضع نصاب سيفه في الأرض " وفي حديث أكثم " أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أشهد أنك رسول الله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وهو من أهل الجنة ) زاد في حديث أكثم " تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها " وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        الحديث السابع حديث أبي هريرة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية