الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4284 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد ) أي في صلاته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قنت بعد الركوع ) تمسك بمفهومه من زعم أن القنوت قبل الركوع ، قال : وإنما يكون بعد الركوع عند إرادة الدعاء على قوم أو لقوم . وتعقب باحتمال أن مفهومه أن القنوت لم يقع إلا في هذه الحالة . ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أنس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم " وقد تقدم بيان الاختلاف في القنوت وفي محله في آخر " باب الوتر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الوليد بن الوليد ) أي ابن المغيرة وهو أخو خالد بن الوليد وكان ممن شهد بدرا مع المشركين وأسر وفدى نفسه ثم أسلم فحبس بمكة ثم تواعد هو وسلمة وعياش المذكورين معه وهربوا من المشركين ، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخرجهم فدعا لهم ، أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل ، ومات الوليد المذكور لما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، روينا ذلك في " فوائد الزيادات " من حديث الحافظ أبي بكر بن زياد النيسابوري بسند عن جابر قال رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال : اللهم أنج الوليد بن الوليد الحديث ، وفيه " فدعا بذلك خمسة عشر يوما ، حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء ، فسأله عمر فقال : أوما علمت أنهم قدموا ؟ قال : بينما هو يذكرهم [ ص: 75 ] انفتح عليهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد قد نكت إصبعه بالحرة وساق بهم ثلاثا على قدميه فنهج بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قضى ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا الشهيد ، أنا على هذا شهيد " ورثته أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبيات مشهورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وسلمة بن هشام ) أي ابن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله ، وهو أخو أبي جهل ، وكان من السابقين إلى الإسلام . واستشهد في خلافة أبي بكر بالشام سنة أربع عشرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وعياش ) هو بالتحتانية ثم المعجمة وأبوه أبو ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة فهو عم الذي قبله أيضا ، وكان من السابقين إلى الإسلام أيضا وهاجر الهجرتين ، ثم خدعه أبو جهل فرجع إلى مكة فحبسه ، ثم فر مع رفيقيه المذكورين وعاش إلى خلافة عمر فمات كان سنة خمس عشرة وقيل قبل ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر ) كأنه يشير إلى أنه لا يداوم على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب ) وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ " اللهم العن رعلا وذكوان وعصية " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء تقدم استشكاله في غزوة أحد ، وأن قصة رعل وذكوان كانت عند أحد ، ونزول ليس لك من الأمر شيء كان في قصة أحد فكيف يتأخر السبب عن النزول ؟ ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجا ، وأن قوله " حتى أنزل الله " منقطع من رواية الزهري عمن بلغه ، بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا : قال - يعني الزهري - : ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت " وهذا البلاغ لا يصح لما ذكرته ، وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر لكنه لا ينافي ما تقدم ، بخلاف قصة رعل وذكوان ، فعند أحمد ومسلم من حديث أنس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال : كيف يفلح قوم فعلوا هـذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ، فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية . وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معا ، فيما وقع له من الأمر المذكور وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم ، وذلك كله في أحد ، بخلاف قصة رعل وذكوان فإنها أجنبية ، ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ، ثم نزلت في جميع ذلك ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية