الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4731 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما فقال له شداد بن معقل أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء قال ما ترك إلا ما بين الدفتين قال ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال ما ترك إلا ما بين الدفتين

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن ) كذا جمع بين السكينة والملائكة ، ولم يقع في حديث الباب ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل سورة الكهف ذكر الملائكة ، فلعل المصنف [ ص: 681 ] كان يرى أنهما قصة واحدة ، ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب السكينة ، لكن ابن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائكة كانت فيها ومعها السكينة . قال ابن بطال : قضية الترجمة أن السكينة تنزل أبدا مع الملائكة ، وقد تقدم بيان الخلاف في السكينة ما هي وما قال النووي في ذلك . قوله : ( وقال الليث إلخ ) وصله أبو عبيد في " فضائل القرآن " عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين جميعا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني يزيد بن الهاد ) هو ابن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن محمد بن إبراهيم ) هو التيمي وهو من صغار التابعين ، ولم يدرك أسيد بن حضير فروايته عنه منقطعة ، لكن الاعتماد في وصل الحديث المذكور على الإسناد الثاني ، قال الإسماعيلي : محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير مرسل ، وعبد الله بن خباب عن أبي سعيد متصل . ثم ساقه من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن يزيد بن الهاد بالإسنادين جميعا وقال : هذه الطريق على شرط البخاري . قلت : وجاء عن الليث فيه إسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد عن ابن أبي هلال عن يزيد بن الهاد بالإسناد الثاني فقط ، وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد بالإسناد الثاني لكن وقع في روايته " عن أبي سعيد عن أسيد بن حضير " وفي لفظ " عن أبي سعيد أن أسيد بن حضير قال : " لكن في سياقه ما يدل على أن أبا سعيد إنما حمله عن أسيد فإنه قال : في أثنائه " قال أسيد : فخشيت أن يطأ يحيى . فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالحديث من مسند أسيد بن حضير ، وليحيى بن بكير فيه عن الليث إسناد آخر أخرجه أبو عبيد أيضا من هذا الوجه فقال : " عن ابن شهاب عن أبي بن كعب بن مالك عن أسيد بن حضير " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ) رواية ابن أبي ليلى عن أسيد بن حضير " بينما أنا أقرأ سورة ، فلما انتهيت إلى آخرها " أخرجه أبو عبيد ، ويستفاد منه أنه ختم السورة التي ابتدأ بها . ووقع في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة " بينما هو يقرأ في مربده " أي المكان الذي فيه التمر ، وفي رواية أبي بن كعب المذكورة أنه كان يقرأ على ظهر بيته ، وهذا مغاير للقصة التي فيها أنه كان في مربده ، وفي حديث الباب أن ابنه كان إلى جانبه وفرسه مربوطة فخشي أن تطأه ، وهذا كله مخالف لكونه كان حينئذ على ظهر البيت ، إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فتتحد القصتان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ) في رواية إبراهيم بن سعد أن ذلك تكرر ثلاث مرار وهو يقرأ ، وفي رواية ابن أبي ليلى " سمعت رجة من خلفي حتى ظننت أن فرسي تنطلق " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما اجتره ) بجيم ومثناة وراء ثقيلة والضمير لولده أي اجتر ولده من المكان الذي هو فيه حتى لا تطأه الفرس ، ووقع في رواية القابسي " أخره " بمعجمة ثقيلة وراء خفيفة أي عن الموضع الذي كان به خشية عليه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 682 ] قوله : ( رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ) كذا فيه باختصار ، وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه " رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها " وفي رواية إبراهيم بن سعد " فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج ، فعرجت في الجو حتى ما أراها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اقرأ يا ابن حضير ) أي كان ينبغي أن تستمر على قراءتك ، وليس أمرا له بالقراءة في حالة التحديث ، وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر عنده لما رأى ما رأى ، فكأنه يقول : استمر على قراءتك لتستمر لك البركة بنزول الملائكة واستماعها لقراءتك ، وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذره في قطع القراءة ، وهو قوله " خفت أن تطأ يحيى " أي خشيت إن استمريت على القراءة أن تطأ الفرس ولدي ، ودل سياق الحديث على محافظة أسيد على خشوعه في صلاته لأنه كان يمكنه أول ، ما جالت الفرس أن يرفع رأسه ، وكأنه كان بلغه حديث النهي عن رفع المصلي رأسه إلى السماء فلم يرفعه حتى اشتد به الخطب ، ويحتمل أن يكون رفع رأسه بعد انقضاء صلاته فلهذا تمادى به الحال ثلاث مرات . ووقع في رواية ابن أبي ليلى المذكورة " اقرأ أبا عتيك " وهي كنية أسيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دنت لصوتك ) في رواية إبراهيم بن سعد " تستمع لك " وفي رواية ابن كعب المذكورة " وكان أسيد حسن الصوت " وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الإسماعيلي أيضا " اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود " وفي هذه الزيادة إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولو قرأت ) في رواية ابن أبي ليلى أما إنك لو مضيت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما يتوارى منهم ) في رواية إبراهيم بن سعد " ما تستتر منهم " وفي رواية ابن أبي ليلى " لرأيت الأعاجيب " قال النووي : في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة ، كذا أطلق ، وهو صحيح لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلا والحسن الصوت ، قال : وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة . قلت : الحكم المذكور أعم من الدليل ، فالذي في الرواية إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة ، ويحتمل من الخصوصية ما لم يذكر ، وإلا لو كان الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ . وقد أشار في آخر الحديث بقوله " ما يتوارى منهم " إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم ، وفيه منقبة لأسيد بن حضير ، وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل ، وفضل الخشوع في الصلاة ، وأن التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 683 ] قوله : ( باب من قال : لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين الدفتين ) أي ما في المصحف ، وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين لأن ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان . وهذه الترجمة للرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته ، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ثابتا في القرآن وأن الصحابة كتموه ، وهي دعوى باطلة لأنهم لم يكتموا مثل " أنت عندي بمنزلة هارون من موسى " وغيرها من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته ، كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه . وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم الذين يدعون إمامته وهو محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب . فلو كان هناك شيء ما يتعلق بأبيه لكان هو أحق الناس بالاطلاع عليه ، وكذلك ابن عباس فإنه ابن عم علي وأشد الناس له لزوما واطلاعا على حاله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد العزيز بن رفيع ) في رواية علي بن المديني عن سفيان " حدثنا عبد العزيز " أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دخلت أنا وشداد بن معقل ) هو الأسدي الكوفي ، تابعي كبير من أصحاب ابن مسعود وعلي . ولم يقع له في رواية البخاري ذكر إلا في هذا الموضع ، وأبوه بالمهملة والقاف ، وقد أخرج البخاري في خلق أفعال العباد من طريق عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن معقل عن عبد الله بن مسعود حديثا غير هذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أترك النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء ) ؟ في رواية الإسماعيلي " شيئا سوى القرآن " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا ما بين الدفتين ) بالفاء تثنية دفة بفتح أوله وهو اللوح ، ووقع في رواية الإسماعيلي ، بين اللوحين " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : ودخلنا ) القائل هو عبد العزيز ، ووقع عند الإسماعيلي " لم يدع إلا ما في هذا المصحف " أي لم يدع من القرآن ما يتلى إلا ما هو داخل المصحف الموجود ولا يرد على هذا ما تقدم في كتاب العلم عن علي أنه قال : " ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة " لأن عليا أراد الأحكام التي كتبها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينف أن عنده أشياء أخر من الأحكام التي لم يكن كتبها . وأما جواب ابن عباس وابن الحنفية فإنما أرادا من القرآن الذي يتلى ، أو أرادا مما يتعلق بالإمامة ، أي لم يترك شيئا يتعلق بأحكام الإمامة إلا ما هو بأيدي الناس ، ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة ، قال : فأنزل الله فيهم قرآنا " بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا " وحديث أبي بن كعب " كانت الأحزاب قدر البقرة " وحديث حذيفة ما يقرءون ربعها يعني " براءة " ، وكلها أحاديث صحيحة . وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر أنه " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ، ويقول : إن منه قرآنا قد رفع " وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب ، لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية