الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                19 حدثنا أمية بن بسطام العيشي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح وهو ابن القاسم عن إسمعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( حدثنا أمية بن بسطام العيشي ) أما ( بسطام ) فبكسر الباء الموحدة هذا هو المشهور ، وحكى صاحب المطالع أيضا فتحها . واختلف في صرفه فمنهم من صرفه ومنهم من لم يصرفه . قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : بسطام عجمي لا ينصرف ، قال ابن دريد ليس من كلام العرب . قال : ووجدته في كتاب ابن الجواليقي في المعرب مصروفا وهو بعيد . هذا كلام الشيخ أبي عمرو . وقال الجوهري في الصحاح بسطام ليس من أسماء العرب وإنما سمى قيس بن مسعود ابنه بسطاما باسم ملك من ملوك فارس ، كما سموا قابوس فعربوه بكسر الباء . والله أعلم وأما ( العيشي ) فبالشين المعجمة وهو منسوب إلى بني عايش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة وكان أصله العايشي ولكنهم خففوه .

                                                                                                                [ ص: 163 ] قال الحاكم أبو عبد الله ، والخطيب أبو بكر البغدادي : العيشيون بالشين المعجمة بصريون والعبسيون بالباء الموحدة والسين المهملة كوفيون ، والعنسيون بالنون والسين المهملة شاميون وهذا الذي قالاه هو الغالب . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - ( فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله : فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره ) قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى ، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى ; وإن كانوا يعبدونه ، ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا ، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا . قال القاضي عياض - رحمه الله - : ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود ، أو أجاز عليه البداء ، أو أضاف إليه الولد منهم ، أو أضاف إليه الصاحبة والولد ، وأجاز الحلول عليه ، والانتقال والامتزاج من النصارى ، أو وصفه بما لا يليق به ، أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له . فإذن ما عرفوا الله سبحانه . فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة . هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله تعالى - .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخيرة : ( فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم ) قد يستدل بلفظة ( من أموالهم ) على أنه إذا امتنع من الزكاة أخذت من ماله بغير اختياره وهذا الحكم لا خلاف فيه ، ولكن هل تبرأ ذمته ويجزيه ذلك في الباطن ؟ فيه وجهان لأصحابنا . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية