الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب تسمية العبد الآبق كافرا

                                                                                                                68 حدثنا علي بن حجر السعدي حدثنا إسمعيل يعني ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم قال منصور قد والله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكني أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة [ ص: 244 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 244 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم ) وفي الرواية الأخرى ( فقد برئت منه الذمة ) وفي الأخرى : ( إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ) أما تسميته كافرا ففيه الأوجه التي في الباب قبله .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : فمعناه لا ذمة له . قال الشيخ أبو عمرو - رحمه الله - : الذمة هنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام وهي الحرمة ، ويجوز أن يكون من قبيل ما جاء في قوله له ذمة الله تعالى وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي ضمانه وأمانته ورعايته ، ومن ذلك أن الآبق كان مصونا عن عقوبة السيد له وحبسه فزال ذلك بإباقه والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ) فقد أوله الإمام المازري وتابعه القاضي عياض رحمهما الله على أن ذلك محمول على المستحل للإباق فيكفر ولا تقبل له صلاة ولا غيرها . ونبه بالصلاة على غيرها . وأنكر الشيخ أبو عمرو هذا وقال : بل ذلك جار في غير المستحل ، ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة ; فصلاة الآبق صحيحة غير مقبولة . فعدم قبولها لهذا الحديث وذلك لاقترانها بمعصية ، وأما صحتها فلوجود شروطها وأركانها المستلزمة صحتها ، ولا تناقض في ذلك . ويظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب ، وأثر الصحة في سقوط القضاء ، وفي أنه لا يعاقب عقوبة تارك الصلاة . هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو - رحمه الله - . وهو ظاهر لا شك في حسنه . وقد قال جماهير أصحابنا : إن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة لا ثواب فيها . ورأيت في فتاوى أبي نصر بن الصباغ من أصحابنا التي نقلها عنه ابن أخيه القاضي أبو منصور قال : المحفوظ من كلام أصحابنا بالعراق أن الصلاة في الدار المغصوبة به صحيحة يسقط بها الفرض ، ولا ثواب فيها . قال أبو منصور . ورأيت أصحابنا بخراسان اختلفوا ; فمنهم من قال : لا تصح الصلاة . قال : وذكر شيخنا في الكامل أنه ينبغي أن تصح ويحصل الثواب على الفعل فيكون مثابا على فعله عاصيا بالمقام في المغصوب ، فإذا لم نمنع من صحتها لم نمنع من حصول الثواب . قال أبو منصور : وهذا هو القياس على طريق من صححها . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 245 ] ويقال أبق العبد وأبق بفتح الباء وكسرها لغتان مشهورتان الفتح أفصح وبه جاء القرآن إذ أبق إلى الفلك المشحون .

                                                                                                                وأما قوله : ( عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول : أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم قال منصور : قد والله روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكني أكره أن يروى عني هاهنا بالبصرة ) : فمعناه أن منصورا روى هذا الحديث عن الشعبي عن جرير موقوفا عليه ، ثم قال منصور بعد روايته إياه موقوفا : والله إنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعلموه أيها الخواص الحاضرون فإني أكره أن أصرح برفعه في لفظ روايتي فيشيع عني في البصرة التي هي مملوءة من المعتزلة والخوارج الذين يقولون بتخليد أهل المعاصي في النار ، والخوارج يزيدون على التخليد فيحكمون بكفره ، ولهم شبهة في التعلق بظاهر هذا الحديث . وقد قدمنا تأويله وبطلان مذاهبهم بالدلائل القاطعة الواضحة التي ذكرناها في مواضع من هذا الكتاب والله أعلم .

                                                                                                                وأما ( منصور بن عبد الرحمن ) هذا فهو الأشل الغداني البصري ، وثقه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين . وضعفه أبو حاتم الرازي . وفي الرواة خمسة يقال لكل واحد منهم منصور بن عبد الرحمن هذا أحدهم . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية