الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                150 حدثني زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا وسعد جالس فيهم قال سعد فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من لم يعطه وهو أعجبهم إلي فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلما قال فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلما قال فسكت قليلا ثم غلبني ما علمت منه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلما إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه حدثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عامر بن سعد عن أبيه سعد أنه قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم بمثل حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه وزاد فقمت إلى رسول الله فساررته فقلت ما لك عن فلان وحدثنا الحسن الحلواني حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح عن إسمعيل بن محمد قال سمعت محمد بن سعد يحدث هذا فقال في حديثه فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده بين عنقي وكتفي ثم قال أقتالا أي سعد إني لأعطي الرجل

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وقوله أعطى رهطا أي جماعة وأصله الجماعة دون العشرة

                                                                                                                وقوله وهو أعجبهم إلي أي أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي

                                                                                                                وقوله إني لأراه مؤمنا هو بفتح الهمزة من لأراه أي لأعلمه ولا يجوز ضمها فإنه قال غلبني ما أعلم منه ولأنه راجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات ولو لم يكن جازما باعتقاده لما كرر المراجعة

                                                                                                                وقوله عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عامر بن سعد هؤلاء ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر فإن صالحا أكبر من الزهري

                                                                                                                [ ص: 337 ] وأما فقهه ومعانيه ففيه الفرق بين الإسلام والإيمان وفي هذه المسألة خلاف وكلام طويل وقد تقدم بيان هذه المسألة وإيضاح شرحها في أول كتاب الإيمان

                                                                                                                وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب خلافا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم يكفي الإقرار وهذا خطأ ظاهر يرده إجماع المسلمين والنصوص في إكفار المنافقين وهذه صفتهم

                                                                                                                وفيه الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم

                                                                                                                وفيه مراجعة المسئول في الأمر الواحد

                                                                                                                وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يراه مصلحة

                                                                                                                وفيه أن الفاضل لا يقبل ما يشار عليه به مطلقا بل يتأمله فإن لم تظهر مصلحته لم يعمل به

                                                                                                                وفيه الأمر بالتثبيت وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه

                                                                                                                وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم

                                                                                                                وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرة وأشباههم وهذا مجمع عليه عند أهل السنة

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - أو مسلما فليس فيه إنكار كونه مؤمنا بل معناه النهي عن القطع بالإيمان وأن لفظة الإسلام أولى به فإن الإسلام معلوم بحكم الظاهر وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله تعالى

                                                                                                                وقد زعم صاحب التحرير أن في هذا الحديث إشارة إلى أن الرجل لم يكن مؤمنا وليس كما زعم بل فيه إشارة إلى إيمانه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في جواب سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه معناه أعطي من أخاف عليه لضعف إيمانه أن يكفر وأدع غيره ممن هو أحب إلي منه لما أعلمه من طمأنينة قلبه وصلابة إيمانه

                                                                                                                وأما قول مسلم - رحمه الله - في أول الباب حدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن الزهري عن [ ص: 338 ] عامر فقال أبو علي الغساني قال الحافظ أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث إنما يرويه سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري قاله الحميدي وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن الصباح الجرجاني كلهم عن سفيان عن معمر عن الزهري بإسناده وهذا هو المحفوظ عن سفيان وكذلك قال أبو الحسن الدارقطني في كتابه الاستدراكات قلت وهذا الذي قاله هؤلاء في هذا الإسناد قد يقال لا ينبغي أن يوافقوا عليه لأنه يحتمل أن سفيان سمعه من الزهري مرة وسمعه من معمر عن الزهري مرة فرواه على الوجهين فلا يقدح أحدهما في الآخر ولكن انضمت أمور اقتضت ما ذكروه منها أن سفيان مدلس وقد قال عن ومنها أن أكثر أصحابه رووه عن معمر وقد يجاب عن هذا بما قدمناه من أن مسلما - رحمه الله - لا يروي عن مدلس قال عن إلا أن يثبت أنه سمعه ممن عنعن عنه وكيف كان فهذا الكلام في الإسلام لا يؤثر في المتن فإنه صحيح على كل تقدير متصل والله أعلم




                                                                                                                الخدمات العلمية