الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1541 حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا مالك ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال قلت لمالك حدثك داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة يشك داود قال خمسة أو دون خمسة قال نعم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ) قال الحاكم أبو أحمد أبو سفيان هذا ممن لا يعرف اسمه ، قال : ويقال : مولى أبي أحمد . وابن أبي أحمد هو مولى لبني عبد الأشهل ، يقال : كان له انقطاع إلى ابن أبي أحمد بن جحش فنسب إلى ولائهم ، وهو مدني ثقة .

                                                                                                                قوله : ( خمسة أوسق ) هي جمع وسق بفتح الواو ويقال بكسرها . والفتح أفصح ويقال في الجمع أيضا : أوساق ووسوق . قال الهروي : كل شيء حملته فقد وسقته . وقال غيره : الوسق ضم الشيء بعضه إلى بعض . وأما قدر الوسق فهو ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، وأما ( العرايا ) فواحدتها عرية بتشديد الياء كمطية ومطايا وضحية وضحايا مشتقة [ ص: 145 ] من التعري وهو التجرد لأنها عريت عن حكم باقي البستان . قال الأزهري والجمهور : وهي فعيلة بمعنى فاعلة . وقال الهروي وغيره : فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه لأن صاحبها يتردد إليها وقيل سميت بذلك لتخلي صاحبها الأول عنها من بين سائر نخله . وقيل غير ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا تباع بخرصها ) فيه تحريم بيع الرطب بالتمر وهو المزابنة كما فسره في الحديث مشتقة من الزبن وهو المخاصمة والمدافعة ، وقد اتفق العلماء على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وأنه ربا ، وأجمعوا أيضا على تحريم بيع العنب بالزبيب ، وأجمعوا أيضا على تحريم بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية وهي المحاقلة مأخوذة من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع ، وسواء عند جمهورهم كان الرطب والعنب على الشجر أو مقطوعا ، وقال أبو حنيفة : إن كان مقطوعا جاز بيعه بمثله من اليابس . وأما العرايا فهي أن يخرص الخارص نخلات فيقول : هذا الرطب الذي عليها إذا يبس تجيء منه ثلاثة أوسق من التمرة مثلا ، فيبيعه صاحبه لإنسان بثلاثة أوسق تمر ، ويتقابضان في المجلس ، فيسلم المشتري التمر ويسلم بائع الرطب الرطب بالتخلية ، وهذا جائز فيما دون خمسة أوسق ، ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق ، وفي جوازه في خمسة أوسق قولان للشافعي أصحهما لا يجوز لأن الأصل تحريم بيع التمر بالرطب وجاءت العرايا رخصة . وشك الراوي في خمسة أوسق أو دونها فوجب الأخذ باليقين وهو دون خمسة أوسق [ ص: 146 ] وبقيت الخمسة على التحريم ، والأصح أنه يجوز ذلك للفقراء والأغنياء ، وأنه لا يجوز في غير الرطب والعنب من الثمار ، وفيه قول ضعيف أنه يختص بالفقراء ، وقول إنه لا يختص بالرطب والعنب . هذا تفصيل مذهب الشافعي في العرية وبه قال أحمد وآخرون وتأولها مالك وأبو حنيفة على غير هذا وظواهر الأحاديث ترد تأويلهما .

                                                                                                                قوله : ( رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك ) فيه دلالة لأحد أوجه أصحابنا أنه يجوز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض ، والأصح عند جمهورهم بطلانه ، ويتأولون هذه الرواية على أن أو للشك لا للتخيير والإباحة ، بل معناه رخص في بيعها بأحد النوعين وشك فيه الراوي فيحمل على أن المراد التمر كما صرح به في سائر الروايات .




                                                                                                                الخدمات العلمية