الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب صحة الإقرار بالقتل وتمكين ولي القتيل من القصاص واستحباب طلب العفو منه

                                                                                                                1680 حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا أبو يونس عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه قال إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال يا رسول الله هذا قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته فقال إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة قال نعم قتلته قال كيف قتلته قال كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من شيء تؤديه عن نفسك قال ما لي مال إلا كسائي وفأسي قال فترى قومك يشترونك قال أنا أهون على قومي من ذاك فرمى إليه بنسعته وقال دونك صاحبك فانطلق به الرجل فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتله فهو مثله فرجع فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك قلت إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك قال يا نبي الله لعله قال بلى قال فإن ذاك كذاك قال فرمى بنسعته وخلى سبيله [ ص: 323 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 323 ] قوله : ( جاء رجل يقود آخر بنسعة ، فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقتلته ؟ فقال : إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة ، قال : نعم قتلته ، قال : كيف قتلته ؟ قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته ) .

                                                                                                                أما النسعة : فبنون مكسورة ثم سين ساكنة ثم عين مهملة وهي حبل من جلود مضفورة . وقرنه : جانب رأسه .

                                                                                                                وقوله : ( يختبط ) أي يجمع الخبط ، وهو ورق الثمر بأن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه فيجمعه علفا . وفي هذا الحديث : الإغلاظ على الجناة وربطهم وإحضارهم إلى ولي الأمر .

                                                                                                                وفيه سؤال المدعى عليه عن جواب الدعوى ، فلعله يقر فيستغني المدعي والقاضي عن التعب في إحضار الشهود وتعديلهم ، ولأن الحكم بالإقرار حكم بيقين ، وبالبينة حكم بالظن .

                                                                                                                وفيه سؤال الحاكم وغيره الولي عن العفو عن الجاني .

                                                                                                                وفيه جواز العفو بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم .

                                                                                                                وفيه جواز أخذ الدية في قتل العمد ; لقوله صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث : ( هل لك من شيء تؤديه عن نفسك ؟ ) .

                                                                                                                وفيه قبول الإقرار بقتل العمد .

                                                                                                                قوله : ( فانطلق به الرجل ، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قتله فهو مثله ، فرجع فقال : يا رسول الله بلغني أنك قلت : إن قتله فهو مثله ، وأخذته بأمرك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ؟ قال : يا نبي الله - لعله قال - بلى ، قال : فإن ذاك كذاك ، قال : فرمى بنسعته وخلى سبيله ) . وفي الرواية الأخرى : ( إنه انطلق به فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القاتل والمقتول في النار ) .

                                                                                                                [ ص: 324 ] أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن قتله فهو مثله ) فالصحيح في تأويله أنه مثله في أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر ; لأنه استوفى حقه منه ، بخلاف ما لو عفا عنه فإنه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة ، وجميل الثناء في الدنيا . وقيل : فهو مثله في أنه قاتل ، وإن اختلفا في التحريم والإباحة ، لكنهما استويا في إطاعتهما الغضب ومتابعة الهوى ، لا سيما وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم منه العفو ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال بهذا اللفظ الذي هو صادق فيه لإيهام مقصود صحيح ، وهو أن الولي ربما خاف فعفا ، والعفو مصلحة للولي والمقتول في ديتهما لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يبوء بإثمك وإثم صاحبك ) .

                                                                                                                وفيه مصلحة للجاني وهو إنقاذه من القتل ، فلما كان العفو مصلحة توصل إليه بالتعريض ، وقد قال الضمري وغيره من علماء أصحابنا وغيرهم : يستحب للمفتي إذا رأى مصلحة في التعريض للمستفتي أن يعرض تعريضا يحصل به المقصود ، مع أنه صادق فيه ، قالوا : ومثاله أن يسأله إنسان عن القاتل ، هل له توبة ؟ ويظهر للمفتي بقرينة أنه إن أفتى بأن له توبة ترتب عليه مفسدة ، وهي أن الصائل يستهون القتل لكونه يجد بعد ذلك منه مخرجا ، فيقول المفتي في الحالة هذه : صح عن ابن عباس أنه قال : لا توبة لقاتل ، فهو صادق في أنه صح عن ابن عباس ، وإن كان المفتي لا يعتقد ذلك ، ولا يوافق ابن عباس في هذه المسألة ، لكن السائل إنما يفهم منه موافقته ابن عباس فيكون سببا لزجره ، فهكذا وما أشبه ذلك كمن يسأل عن الغيبة في الصوم ، وهل يفطر بها ؟ فيقول : جاء في الحديث : " الغيبة تفطر الصائم " والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية