الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1784 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل أما باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم فقال اكتب من محمد رسول الله قالوا لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب من محمد بن عبد الله فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا [ ص: 474 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 474 ] قوله : ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه - : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سهيل : أما بسم الله فما ندري ما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولكن اكتب : باسمك اللهم ) قال العلماء : وافقهم النبي صلى الله عليه وسلم في ترك كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ، وأنه كتب باسمك اللهم ، وكذا وافقهم في محمد بن عبد الله ، وترك كتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا وافقهم في رد من جاء منهم إلينا دون من ذهب منا إليهم ، وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح ، مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور ، أما البسملة وباسمك اللهم فمعناهما واحد ، وكذا قوله : محمد بن عبد الله هو أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس في ترك وصف الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفي ذلك ، ولا في ترك وصفه أيضا صلى الله عليه وسلم هنا بالرسالة ما ينفيها ، فلا مفسدة فيما طلبوه ، وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتب ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك ، وأما شرط رد من جاء منهم ، ومنع من ذهب إليهم فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة فيهم في هذا الحديث بقوله : من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ثم كان كما قال صلى الله عليه وسلم فجعل الله للذين جاءونا منهم وردهم إليهم فرجا ومخرجا ولله الحمد ، وهذا من المعجزات ، قال العلماء : والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة ، وفوائده المتظاهرة ، التي كانت عاقبتها فتح مكة ، وإسلام أهلها كلها ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ; وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين ، ولا تتظاهر عندهم أمور النبي صلى الله عليه وسلم كما هي ، ولا يحلون بمن يعلمهم بها مفصلة ، فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين ، وجاءوا إلى المدينة ، وذهب المسلمون إلى مكة ، وحلوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونه ، وسمعوا منهم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة بجزئياتها ، ومعجزاته الظاهرة ، وأعلام نبوته المتظاهرة ، وحسن سيرته ، وجميل طريقته ، وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك ، فما زلت نفوسهم إلى الإيمان حتى بادر خلق منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة فأسلموا بين صلح [ ص: 475 ] الحديبية وفتح مكة ، وازداد الآخرون ميلا إلى الإسلام ، فلما كان يوم الفتح أسلموا كلهم لما كان قد تمهد لهم من الميل ، وكانت العرب من غير قريش في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلام قريش ، فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي . قال تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا .




                                                                                                                الخدمات العلمية