الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                193 حدثنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي ح وحدثناه سعيد بن منصور واللفظ له حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال انطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفعنا بثابت فانتهينا إليه وهو يصلي الضحى فاستأذن لنا ثابت فدخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره فقال له يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة قال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى عليه السلام فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأوتى فأقول أنا لها فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه فقلنا يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه فحدثناه الحديث فقال هيه قلنا ما زادنا قال قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا قلنا له حدثنا فضحك وقال خلق الإنسان من عجل ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله قال فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك أراه قال قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وأما قوله : ( أبو الربيع العتكي ) فهو بفتح العين والتاء ، وهو أبو الربيع الزهراني الذي يكرره مسلم في مواضع كثيرة ، واسمه سليمان بن داود ، قال القاضي عياض : نسبه مسلم مرة زهرانيا ومرة عتكيا ومرة جمع له النسبين ولا يجتمعان بوجه ، وكلاهما يرجع إلى الأزد إلا أن يكون للجمع سبب من جواز أو خلف . والله أعلم .

                                                                                                                وأما ( معبد العنزي ) فهو بالعين المهملة وبفتح النون وبالزاي . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) المراد بالذرة واحدة الذر وهو الحيوان المعروف الصغير من النمل ، وهي بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ومعنى ( يزن ) أي : يعدل .

                                                                                                                وأما قوله : ( إن شعبة جعل مكان الذرة ذرة ) فمعناه : أنه رواه بضم الذال وتخفيف الراء ، واتفقوا على أنه تصحيف منه ، وهذا معنى قوله في الكتاب قاليزيد : صحف فيها أبو بسطام يعني شعبة .

                                                                                                                قوله : ( فدخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره ) فيه : أنه ينبغي للعالم وكبير المجلس أن يكرم فضلاء الداخلين عليه ويميزهم بمزيد إكرام في المجلس وغيره .

                                                                                                                قوله : ( إخوانك من أهل البصرة ) قد قدمنا في أوائل الكتاب أن في البصرة ثلاث لغات فتح الباء وضمها وكسرها والفتح هو المشهور .

                                                                                                                [ ص: 426 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - ( فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن ) هكذا هو في الأصول ( لا أقدر عليه ) ، وهو صحيح ويعود الضمير في ( عليه ) إلى الحمد .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيقال : انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجوه منها فأنطلق فأفعل ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم - بعده ( فيقال : انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : ( فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه ) أما الثاني والثالث فاتفقت الأصول على أنه ( فأخرجه ) بضميره - صلى الله عليه وسلم - وحده . وأما الأول ففي بعض الأصول ( فأخرجوه ) كما ذكرنا على لفظ الجمع ، وفي بعضها ( فأخرجه ) وفي أكثرها ( فأخرجوا ) بغير هاء وكله صحيح ، فمن رواه ( فأخرجوه ) يكون خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الملائكة ، ومن حذف الهاء فلأنها ضمير المفعول وهو فضلة يكثر حذفه . والله أعلم .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أدنى أدنى أدنى ) هكذا هو في الأصول مكرر ثلاث مرات . وفي هذا الحديث دلالة لمذهب السلف وأهل السنة ومن وافقهم من المتكلمين في أن الإيمان يزيد وينقص ، ونظائره في الكتاب والسنة كثيرة وقد قدمنا تقرير هذه القاعدة في أول كتاب الإيمان وأوضحنا المذاهب فيها والجمع بينها . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 427 ] قوله : ( هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا : لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة ، قال : فدخلنا عليه فسلمنا عليه وقلنا : يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة قال : هيه ، فحدثناه الحديث ، قال : هيه ، قلنا : ما زادنا ، قال : حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ، ولقد ترك منه شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا ، قلنا له : حدثنا فضحك وقال : خلق الإنسان من عجل ، ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه : ( ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ، ثم أخر له ساجدا ، فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك ، وقل يسمع لك وسل تعط ، واشفع تشفع فأقول : يا رب ائذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله قال : ليس ذلك لك أو قال : ليس ذلك إليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال : لا إله إلا الله ، قال فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك أراه قال : قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع ) هذا الكلام فيه فوائد كثيرة فلهذا نقلت المتن بلفظه مطولا ليعرف مطالعه مقاصده .

                                                                                                                أما قوله : ( بظهر الجبان ) فالجبان بفتح الجيم وتشديد الباء قال أهل اللغة : الجبان والجبانة هما الصحراء ويسمى بهما المقابر ، لأنها تكون في الصحراء ، وهو من تسمية الشيء باسم موضعه ، وقوله : ( بظهر الجبان ) أي : بظاهرها وأعلاها المرتفع منها . وقوله : ( ملنا إلى الحسن ) يعني عدلنا ، وهو الحسن البصري . وقوله ( وهو مستخف ) يعني متغيبا خوفا من الحجاج بن يوسف . وقوله : ( قال : هيه ) هو بكسر الهاء وإسكان الياء وكسر الهاء الثانية قال أهل اللغة : يقال في استزادة الحديث : ( إيه ) ويقال : ( هيه ) بالهاء بدل الهمزة ، قال الجوهري : ( إيه ) اسم سمي به الفعل لأن معناه الأمر ، تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل : ( إيه ) بكسر الهمزة ، قال ابن السكيت : فإن وصلت نونت فقلت : إيه حديثا ، قال ابن السري : إذا قلت : ( إيه ) فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت : هات الحديث ، وإن قلت : ( إيه ) بالتنوين كأنك قلت : هات حديثا ما ; لأن التنوين تنكير ، فأما إذا أسكنته وكففته فإنك تقول : ( إيها عنه ) .

                                                                                                                وأما قوله : ( وهو يومئذ جميع ) فهو بفتح الجيم ، وكسر الميم ومعناه : مجتمع القوة والحفظ . وقوله : [ ص: 428 ] ( فضحك ) فيه أنه لا بأس بضحك العالم بحضرة أصحابه إذا كان بينه وبينهم أنس ، ولم يخرج بضحكه إلى حد يعد تركا للمروءة . وقوله : ( فضحك وقال : خلق الإنسان من عجل ) فيه : جواز الاستشهاد بالقرآن في مثل هذا الموطن ، وقد ثبت في الصحيح مثله من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طرق فاطمة وعليا - رضي الله عنهما - ثم انصرف وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ونظائر هذا كثيرة .

                                                                                                                وقوله : ( ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه ( ثم أرجع إلى ربي ) . هكذا هو في الروايات وهو الظاهر ، وتم الكلام على قوله : ( أحدثكموه ) ، ثم ابتدأ تمام الحديث فقال : ( ثم أرجع ) ، ومعناه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثم أرجع إلى ربي .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله ، قال : ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ) معناه لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة ، كما تقدم في الحديث السابق ( شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ) . وأما قوله عز وجل : ( وجبريائي ) فهو بكسر الجيم أي : عظمتي وسلطاني أو قهري .

                                                                                                                وأما قوله : ( فأشهد على الحسن أنه حدثنا به . . . إلى آخره ) فإنما ذكره تأكيدا ومبالغة في تحقيقه وتقريره في نفس المخاطب ، وإلا فقد سبق هذا في أول الكلام . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( عن أبي حيان عن أبي زرعة ) أما ( حيان ) فبالمثناة وتقدم بيان أبي حيان وأبي زرعة في أول كتاب الإيمان ، وأن اسم أبي زرعة : هرم ، وقيل : عمرو ، وقيل : عبيد الله ، وقيل : عبد الرحمن . واسم أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان .

                                                                                                                قوله : ( فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه ) قال القاضي عياض - رحمه الله - تعالى : محبته - صلى الله عليه وسلم - للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها ، وبعدها عن مواضع الأذى . هذا آخر كلام القاضي . وقد روى الترمذي بإسناده عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما كانت الذراع أحب اللحم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبا فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجا .

                                                                                                                قوله : ( فنهس منها نهسة ) هو بالسين المهملة قال القاضي عياض : أكثر الرواة رووه بالمهملة ، ووقع لابن ماهان بالمعجمة ، وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأطراف أسنانه ، قال الهروي : قال أبو العباس : ( النهس ) بالمهملة بأطراف الأسنان وبالمعجمة الأضراس .




                                                                                                                الخدمات العلمية