الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1967 حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب قال قال حيوة أخبرني أبو صخر عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                أما قوله في الحديث الآخر : ( يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ) فمعناه أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( ذبحهما بيده ) فيه أنه يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه ، ولا يوكل في ذبحها إلا لعذر ، وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها ، وإن استناب فيها مسلما جاز بلا خلاف ، وإن استناب كتابيا كره كراهية تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل ، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه ، فإنه لم يجوزها ، ويجوز أن يستنيب صبيا أو امرأة حائضا ، لكن يكره توكيل الصبي ، وفي كراهة توكيل الحائض وجهان قال أصحابنا : الحائض أولى بالاستنابة من الصبي ، والصبي أولى من الكتابي ، قال أصحابنا : والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلما فقيها بباب الذبائح والضحايا ؛ لأنه أعرف بشروطها وسننها . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( وسمى ) فيه إثبات التسمية على الضحية وسائر الذبائح ، وهذا مجمع عليه لكن هل هو شرط أم مستحب ؟ فيه خلاف سبق إيضاحه في كتاب الصيد ، قوله : ( وكبر ) فيه استحباب التكبير مع التسمية فيقول : بسم الله ، والله أكبر .

                                                                                                                قوله : ( ووضع رجله على صفاحهما ) أي صفحة العنق وهي جانبه ، وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن ؛ لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه ، وهذا أصح من الحديث الذي جاء بالنهي عن هذا .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( هلمي المدية ) أي هاتيها ، وهي بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( اشحذيها بحجر ) هو بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها ، وهذا موافق للحديث السابق في الأمر بإحسان القتلة والذبح وإحداد الشفرة .

                                                                                                                [ ص: 106 ] قوله : ( وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : بسم الله اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد ، ومن أمة محمد ، ثم ضحى به ) هذا الكلام فيه تقديم وتأخير ، وتقديره : فأضجعه ، وأخذ في ذبحه قائلا : باسم الله اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد وأمته ، مضحيا به ، ولفظة ( ثم ) هنا متأولة على ما ذكرته بلا شك .

                                                                                                                وفيه : استحباب إضجاع الغنم في الذبح ، وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة ؛ لأنه أرفق بها ، وبهذا جاءت الأحاديث ، وأجمع المسلمون عليه ، واتفق العلماء ، وعمل المسلمين على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر ؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين ، وإمساك رأسها باليسار .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد ، ومن أمة محمد ) فيه : دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير : ( اللهم تقبل مني ) قال أصحابنا : ويستحب معه : ( اللهم منك وإليك تقبل مني ) فهذا مستحب عندنا وعند الحسن وجماعة ، وكرهه أبو حنيفة ، وكره مالك ( اللهم منك ، وإليك ) وقال : هي بدعة ، واستدل بهذا من جوز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته ، واشتراكهم معه في الثواب ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور ، وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ، وزعم الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص ، وغلطه العلماء في ذلك ، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى .




                                                                                                                الخدمات العلمية