الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1664 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي حدثنا أبي حدثنا غيلان عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية والذين يكنزون الذهب والفضة قال كبر ذلك على المسلمين فقال عمر رضي الله عنه أنا أفرج عنكم فانطلق فقال يا نبي الله إنه كبر على أصحابك هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم فكبر عمر ثم قال له ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته

                                                                      التالي السابق


                                                                      والذين يكنزون الذهب والفضة أي يجمعونها أو يدفنونها ( كبر ) : بضم الباء أي شق وأشكل ( ذلك ) : أي ظاهر الآية من العموم ( على المسلمين ) : لأنهم حسبوا أنه يمنع جمع المال مطلقا ، وأن كل من تأثل مالا جل أو قل فالوعيد لاحق به . ( أنا أفرج ) : بتشديد [ ص: 62 ] الراء أي أزيل الغم والحزن ( عنكم ) : إذ ليس في الدين من حرج ( فانطلق ) : أي فذهب عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                      وفي بعض النسخ فانطلقوا ( إنه ) : أي الشأن ( كبر ) : أي عظم ( هذه الآية ) : أي حكمها والعمل بها لما فيها من عموم منع الجمع ( إلا ليطيب ) : من التفعيل أي ليحل الله بأداء الزكاة لكم ( ما بقي من أموالكم ) : قال الله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ومعنى التطييب أن أداء الزكاة إما أن يحل ما بقي من ماله المخلوط بحق الفقراء ، وإما أن يزكيه من تبعة ما لحق به من إثم منع حق الله تعالى . وحاصل الجواب أن المراد بالكنز منع الزكاة لا الجمع مطلقا ( وإنما فرض المواريث ) : عطف على قوله : إن الله لم يفرض الزكاة ، كأنه قيل : إن الله لم يفرض الزكاة إلا لكذا ، أو لم يفرض المواريث إلا ليكون طيبا لمن يكون بعدكم .

                                                                      والمعنى لو كان الجمع محظورا مطلقا لما افترض الله الزكاة ولا الميراث ( لتكون ) : أي وإنما فرض المواريث لتكون المواريث لمن بعدكم فقال : أي ابن عباس ( فكبر عمر ) : أي قال : الله أكبر فرحا بكشف الحال ورفع الإشكال ثم ( قال ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( له ) : أي لعمر ( ألا أخبرك ) : يحتمل أن يكون ألا للتنبيه ، وأن تكون الهمزة استفهامية ولا نافية ( بخير ما يكنز المرء ) : أي بأفضل ما يقتنيه ويتخذه لعاقبته ( المرأة الصالحة ) : أي الجميلة ظاهرا وباطنا قال الطيبي : المرأة مبتدأ والجملة الشرطية خبره ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف والجملة الشرطية بيان . قيل فيه إشارة إلى أن هذه المرأة أنفع من الكنز المعروف فإنها خير ما يدخرها الرجل لأن النفع فيها أكثر لأنه ( إذا نظر ) : أي الرجل ( إليها سرته ) : أي جعلته مسرورا لجمال صورتها وحسن سيرتها وحصول حفظ الدين بها ( وإذا أمرها ) : بأمر شرعي أو عرفي ( أطاعته ) : وخدمته ( وإذا غاب عنها حفظته ) : قال القاضي : لما بين لهم - صلى الله عليه وسلم - أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة ، ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى ، وهي المرأة الصالحة الجميلة ، فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد ذهاب عنك ، وهي ما دامت معك تكون رفيقتك تنظر إليها فتسرك ، وتقضي عند الحاجة إليها وطرك ، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك [ ص: 63 ] وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك ، وإذا غبت عنها تحامي مالك وتراعي عيالك . ذكره في المرقاة .




                                                                      الخدمات العلمية