الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4450 حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري حدثنا رجل من مزينة ح و حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال قال محمد بن مسلم سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ثم اتفقا ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أتم قال زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا فتيا نبي من أنبيائك قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا يحمم ويجبه ويجلد والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما أول ما ارتخصتم أمر الله قال زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( قال قال محمد بن مسلم ) : هو الزهري ( رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ) : أي يطلبه ( ويعيه ) : أي يحفظه ( ثم اتفقا ) : أي معمر ويونس وحاصل الاختلاف الذي قبل هذا الاتفاق أن معمرا قال في روايته عن الزهري قال أخبرنا رجل من مزينة ولم يزد على هذا وأما يونس فقال في روايته قال محمد بن مسلم سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ، فزاد لفظ " ممن يتبع العلم ويعيه " ( ونحن عند سعيد بن المسيب ) : جملة حالية ، يعني قال الزهري سمعت رجلا من مزينة ، والحال أننا كنا عند سعيد بن المسيب ( وهذا حديث معمر ) : أي هذا الحديث الذي ذكر في الكتاب هو حديث معمر ( وهو أتم ) : أي من حديث [ ص: 108 ] يونس ( دون الرجم ) : أي سوى الرجم ( قلنا فتيا نبي من أنبيائك ) : هذا بيان صورة الاحتجاج عند الله ( حتى أتى بيت مدراسهم ) : أي بيتا يدرسون فيه ( على الباب ) : أي على باب بيت المدراس ( أنشدكم بالله ) : أي أسألكم وأقسمت عليكم بالله ( إذا أحصن ) ضبط بصيغة المعروف والمجهول ( قالوا يحمم ) : بصيغة المجهول أي يسود وجه الزاني بالفحم ( ويجبه ) بضم التحتية وفتح الجيم وتشديد الموحدة وبالهاء بصيغة المجهول من باب التفعيل ( والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل ) : كلا الفعلين على البناء للمفعول ( أقفيتهما ) : جمع قفا ومعناه وراء العنق . وتفسير التجبيه هذا على ما قال الحافظ في الفتح من كلام الزهري .

                                                                      وقال في النهاية : أصل التجبيه أن يحمل اثنان على دابة ويجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر ، والقياس أن يقابل بين وجوههما لأنه مأخوذ من الجبهة والتجبيه أيضا أن ينكس رأسه فيحتمل أن يكون المحمول على الدابة إذا فعل به ذلك نكس رأسه فسمي ذلك الفعل تجبيها ، ويحتمل أن يكون من الجبه وهو الاستقبال بالمكروه وأصله من إصابة الجبهة يقال جبهته إذا أصبت جبهته انتهى ( ألظ ) : بفتح الهمزة واللام وتشديد الظاء المعجمة المفتوحة ( به النشدة ) : بكسر النون وسكون الشين . قال السيوطي : أي ألزمه القسم وألح عليه في ذلك ( فقال ) : أي الشاب وهو عبد الله بن صوريا ( إذ نشدتنا ) : أي أقسمتنا ( فما أول ما [ ص: 109 ] ارتخصتم ) : أي جعلتموه رخيصا وسهلا ( فأخر ) : أي الملك ( عنه ) : أي عن ذي القرابة ( في أسرة ) : بضم الهمزة وسكون السين .

                                                                      قال في النهاية : الأسرة عشيرة الرجل وأهل بيته لأنه يتقوى بهم انتهى . وقال السندي : رهطه الأقربون ( فحال قومه ) : أي قوم الرجل الزاني ( دونه ) : أي دون الملك أي حجزوه ومنعوه من الرجم ( حتى تجيء بصاحبك ) : أي قريبك الذي زنى وأخرت عنه الرجم ( فأصلحوا على هذه العقوبة ) : وفي بعض النسخ فاصطلحوا وهو الظاهر ، والمعنى فاصطلح الملك وجميع رعيته على هذه العقوبة أي التحميم والتجبيه والجلد واختاروها وتركوا الرجم ( أن هذه الآية ) : الآتي ذكرها ( نزلت فيهم ) : أي في اليهود في قصة رجم اليهوديين الزانيين المذكورين والمراد بهذه الآية هي قوله تعالى { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون } : أي يحكمون بأحكامها ويحملون الناس عليها ، والمراد بالنبيين الذين بعثوا بعد موسى عليه السلام ، وذلك أن الله تعالى بعث في بني إسرائيل ألوفا من الأنبياء ليس معهم كتاب إنما بعثوا بإقامة التوراة وأحكامها وحمل الناس عليها ( الذين أسلموا ) : انقادوا لله تعالى ، وهذه صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح فإن النبوة أعظم من الإسلام قطعا ، وفيه رفع لشأن المسلمين وتعريض باليهود المعاصرين له صلى الله عليه وسلم بأن أنبياءهم كانوا يدينون بدين الإسلام الذي دان به محمد صلى الله عليه وسلم واليهود بمعزل من الإسلام والاقتداء بدين الأنبياء عليهم السلام ( كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ) : أي من النبيين الذين أسلموا وحكموا بالتوراة فإنه صلى الله عليه وسلم قد حكم بالتوراة . قال فإني أحكم بما في التوراة كما في الحديث والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : فيه رجل من مزينة وهو مجهول .




                                                                      الخدمات العلمية