الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          555 حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير فأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما ثم أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا جد به السير قال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أنه استغيث على بعض أهله ) أي طلب منه الإغاثة على بعض أهله ، وذلك أن صفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر كانت لها حالة الاحتضار . فأخبر بذلك وهو خارج المدينة ، فجد به السير وعجل في الوصول ، كذا في بعض الحواشي .

                                                                                                          قلت : في صحيح البخاري في باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر قال سالم : وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد إلخ . قال الحافظ في الفتح : قوله : استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع وهو من الصراخ ، والمصرخ المغيث ، انتهى .

                                                                                                          ( فجد به السير ) أي اهتم به وأسرع فيه يقال : جد يجد ويجد بالضم والكسر وجد به الأمر وأجد وجد فيه وأجد إذا اجتهد ، كذا في النهاية . ( وأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما ) ، وفي رواية البخاري في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من طريق أسلم قال : كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع ، فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق ثم نزل فصلى المغرب [ ص: 103 ] والعتمة جمع بينهما ( كان يفعل ذلك إذا جد به السير ) استدل بهذا الحديث من قال باختصاص رخصة الجمع في السفر بمن كان سائرا لا نازلا .

                                                                                                          وأجيب بما وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر الصلاة في غزوة تبوك ، خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا .

                                                                                                          قال الشافعي في الأم : قوله : دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا . وقال ابن عبد البر في هذا أوضح دليل على الرد على من قال : لا يجمع إلا من جد به السير وهو قاطع للالتباس ، انتهى .

                                                                                                          وحكى عياض أن بعضهم أول قوله : ثم دخل أي في الطريق ثم خرج عن الطريق للصلاة . ثم استبعده ولا شك في بعده ، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس ، والله أعلم .

                                                                                                          ومن ثم قال الشافعية : ترك الجمع أفضل ، وعن مالك رواية أنه مكروه ، وفي هذه الأحاديث تخصيص لأحاديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي حيث قال في آخرها : الوقت ما بين هذين ، كذا في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي ، وقد أخرج المسند منه مسلم .

                                                                                                          باب ما جاء في صلاة الاستسقاء

                                                                                                          الاستسقاء لغة : طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير ، وشرعا طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص ، قاله الحافظ . وقال الجزري في النهاية : هو استفعال من طلب السقيا ، أي إنزال الغيث على البلاد والعباد ، يقال : سقى الله عباده الغيث وأسقاهم ، والاسم السقيا بالضم واستسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك ، انتهى .

                                                                                                          وقال الرافعي : هو أنواع أدناها الدعاء المجرد ، وأوسطها الدعاء خلف الصلوات ، وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين . والأخبار وردت بجميع ذلك ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 104 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية