الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم

                                                                                                          707 حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر قال وأخبرنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه قال وفي الباب عن أنس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من لم يدع ) أي لم يترك ( قول الزور ) زاد البخاري في رواية " والجهل " قال الحافظ في الفتح : المراد بقول الزور الكذب ، انتهى .

                                                                                                          وقال القاري : المراد به الباطل ، وهو ما فيه إثم والإضافة بيانية . وقال الطيبي : الزور الكذب والبهتان ، أي من لم يترك القول الباطل من قول الكفر وشهادة الزور والافتراء والغيبة والبهتان والقذف والشتم واللعن وأمثالها مما يجب على الإنسان اجتنابها ويحرم عليه ارتكابها ( والعمل ) بالنصب ( وبه ) أي بالزور يعني الفواحش من الأعمال ؛ لأنها في الإثم كالزور .

                                                                                                          وقال الطيبي : هو العمل بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه ( فليس لله حاجة ) أي التفات ومبالاة ، وهو مجاز عن عدم القبول به نفي السبب وإرادة نفي المسبب ( بأن يدع طعامه وشرابه ) فإنهما مباحان في الجملة فإذا تركهما وارتكب أمرا حراما من أصله [ ص: 321 ] استحق المقت وعدم قبول طاعته .

                                                                                                          قال القاضي : المقصود من الصوم كسر الشهوة وتطويع الأمارة ، فإذا لم يحصل منه ذلك لم يبال بصومه ولم ينظر إليه نظر عناية ، فعدم الحاجة عبارة عن عدم الالتفات والقبول ، وكيف يلتفت إليه والحال أنه ترك ما يباح من غير زمان الصوم من الأكل والشرب وارتكب ما يحرم عليه في كل زمان؟ انتهى .

                                                                                                          قال ابن بطال : ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه ، وهو مثل قوله : " من باع الخمر فليشقص الخنازير " أي يذبحها ، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر . وأما قوله " فليس لله حاجة " فلا مفهوم له ، فإن الله لا يحتاج إلى شيء ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : قال شيخنا -يعني العراقي - في شرح الترمذي : لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وهو مشكل ؛ لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به ، لكنها أن يذكر غيره بما يكره ، وقول الزور هو الكذب ، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث ، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق ، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل ، فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي . وأما قوله " والعمل به " فيعود على الزور ، ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أنس ) أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ : " من لم يدع الخنا والكذب " ، ورجاله ثقات ، قاله الحافظ في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة إلا مسلما والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية