الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1081 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب لا نقدر على شيء فقال يا معشر الشباب عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع منكم الباءة فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش عن عمارة نحوه قال أبو عيسى وقد روى غير واحد عن الأعمش بهذا الإسناد مثل هذا وروى أبو معاوية والمحاربي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال أبو عيسى كلاهما صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( ونحن شباب ) على وزن سحاب جمع شاب ، قال الأزهر : لم يجمع فاعل على فعال غيره ( لا نقدر على شيء ) أي : من المال ، وفي رواية البخاري : لا نجد شيئا ( يا معشر الشباب ) المعشر جماعة يشملهم وصف وخصهم بالخطاب ؛ لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح ( وعليكم بالباءة ) بالهمزة وتاء التأنيث ممدودا ، قال النووي فيها أربع لغات : الفصيحة المشهورة الباءة بالمد والهاء ، والثانية الباءة بلا مد ، والثالثة الباء بالمد بلا هاء ، والرابعة الباهة بهائين بلا مد ، وأصلها في اللغة الجماع مشتقة من المباءة ، وهي المنزل ، ومنه مباءة الإبل ، وهي مواطنها ، ثم قيل لعقد النكاح باءة ؛ لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا ، قال واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد : أصحهما أن المراد معناه اللغوي ، وهو الجماع ، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه ، وهي مؤن النكاح فليتزوج ، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه [ ص: 169 ] فعليه الصوم ليدفع شهوته ، والقول الثاني : أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها ، والذي حمل القائلين بهذا قوله : ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، قالوا : والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن . انتهى كلام النووي ملخصا . ( فإنه ) أي : التزوج ( أغض للبصر ) أي : أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية ، من غض طرفه أي : خفضه وكفه ( وأحصن ) أي : أحفظ ( للفرج ) أي : عن الوقوع في الحرام ( فإن الصوم له وجاء ) بكسر الواو وبالمد أي : كسر لشهوته ، وهو في الأصل رض الخصيتين ودقهما لتضعف الفحولة . فالمعنى أن الصوم يقطع الشهوة ويدفع شر المني كالوجاء قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ، ومسلم .

                                                                                                          قوله : ( وروى أبو معاوية والمحاربي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله إلخ ) أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه بهذا السند ، وبالسند المتقدم كليهما ، وإبراهيم هذا هو النخعي ، والمحاربي هذا هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد أبو محمد الكوفي لا بأس به .

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          استدل بهذا الحديث بعض المالكية على تحريم الاستمناء ؛ لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد إليه أسهل ، وتعقب دعوى كونه أسهل ؛ لأن الترك أسهل من الفعل ، وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء ، وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة ، كذا في فتح الباري .

                                                                                                          قلت : في الاستمناء ضرر عظيم على المستمني بأي وجه كان ، فالحق أن الاستمناء فعل حرام لا يجوز ارتكابه لا لغرض تسكين الشهوة ، ولا لغرض آخر ومن أباحه لأجل التسكين فقد غفل غفلة شديدة ولم يتأمل فيما فيه من الضرر . هذا ما عندي ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية