الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1264 حدثنا أبو كريب حدثنا طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا إذا كان للرجل على آخر شيء فذهب به فوقع له عنده شيء فليس له أن يحبس عنه بقدر ما ذهب له عليه ورخص فيه بعض أهل العلم من التابعين وهو قول الثوري وقال إن كان له عليه دراهم فوقع له عنده دنانير فليس له أن يحبس بمكان دراهمه إلا أن يقع عنده له دراهم فله حينئذ أن يحبس من دراهمه بقدر ما له عليه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا طلق بن غنام ) بفتح الغين المعجمة وشدة النون النخعي أبو محمد الكوفي [ ص: 400 ] ، ثقة من كبار العاشرة ( عن أبي حصين ) بفتح الحاء المهملة اسمه عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي ، ثقة ثبت . قوله : ( أد الأمانة ) هي كل شيء لزمك أداؤه ، والأمر للوجوب ، قال الله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( إلى من ائتمنك ) أي : عليها ( ولا تخن من خانك ) أي : لا تعامله بمعاملته ، ولا تقابل خيانته بخيانتك ، قال في سبل السلام : وفيه دليل على أنه لا يجازي بالإساءة من أساء ، وحمله الجمهور على أنه مستحب لدلالة قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به على الجواز وهذه هي المعروفة بمسألة الظفر ، وفيها أقوال للعلماء . هذا القول الأول ، وهو الأشهر من أقوال الشافعي وسواء كان من جنس ما أخذ عليه ، أو من غير جنسه ، والثاني : يجوز إذا كان من جنس ما أخذ عليه لا من غيره لظاهر قوله : بمثل ما عوقبتم به وقوله مثلها وهو رأي الحنفية ، والثالث : لا يجوز ذلك إلا لحكم الحاكم ، لظاهر النهي في الحديث ولقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأجيب أنه ليس أكلا بالباطل ، والحديث يحمل فيه النهي على الندب . الرابع : لابن حزم أنه يجب عليه أن يأخذ بقدر حقه سواء كان من نوع ما هو عليه ، أو من غيره ويبيع ويستوفي حقه . فإن فضل على ما هو له رده له ، أو لورثته ، وإن نقص بقي في ذمة من عليه الحق . فإن لم يفعل ذلك فهو عاص لله عز وجل إلا أن يحلله ، أو يبرئه فهو مأجور . فإن كان الحق الذي له لا بينة له عليه وظفر بشيء من مال من عنده له الحق أخذه ، فإن طولب أنكر ، فإن استحلف حلف ، وهو مأجور في ذلك ، قال وهذا قول الشافعي وأبي سليمان وأصحابهما : وكذلك عندنا كل من ظفر لظالم بمال ففرض عليه أخذه ، وإنصاف المظلوم منه واستدل بالآيتين وبقوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل وبقوله تعالى والحرمات قصاص وبقوله تعالى من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وبقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ، وبحديث البخاري إن نزلتم بقوم وأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف واستدل لكونه إذا لم يفعل عاصيا بقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى الآية ، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رأى منكرا الحديث ، ثم ذكر حديث أبي هريرة فقال : هو من رواية طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع وكلهم ضعيف ، قال : ولئن صح فلا حجة فيه ؛ لأنه ليس له انتصاف المرء من حقه خيانة ، بل هو حق واجب ، وإنكار منكر . انتهى مختصرا . قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره ، وقال الزيلعي قال ابن القطان : والمانع من تصحيحه أن شريكا وقيس بن الربيع مختلف فيهما . انتهى . [ ص: 401 ] ، وقال الحافظ في بلوغ المرام : وصححه الحاكم واستنكره أبو حاتم الرازي . انتهى ، وقال الشوكاني في النيل : وفي الباب عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية : وفي إسناده من لا يعرف ، وأخرجه أيضا الدارقطني ، وعن أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف ، وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي ، وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي ، وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي ؛ لأن يوسف بن ماهك رواه عن فلان عن آخر ، وقد صححه ابن السكن وعن الحسن مرسلا عند البيهقي ، قال الشافعي : هذا الحديث ليس بثابت ، وقال ابن الجوزي : لا يصح من جميع طرقه ، وقال أحمد : هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح ، قال الشوكاني : لا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية