الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1522 حدثنا علي بن حجر أخبرنا علي بن مسهر عن إسمعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ عق عنه يوم حاد وعشرين وقالوا لا يجزئ في العقيقة من الشاة إلا ما يجزئ في الأضحية

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2507 قوله : ( الغلام مرتهن بعقيقته ) اختلف في معناه ، قال الخطابي : اختلف الناس في هذا ، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال : هذا في الشفاعة ، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات [ ص: 95 ] طفلا لم يشفع في أبويه ، وقيل : معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها ، فشبه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن ، وهذا يقوي قول من قال بالوجوب ، وقيل : المعنى أنه مرهون بأذى شعره ولذلك فأميطوا عنه الأذى انتهى . والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخراساني أسنده عنه البيهقي وأخرج ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال : إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس ، وهذا لو ثبت لكان قولا آخر يتمسك به من قال بوجوب العقيقة . قال ابن حزم : ومثله عن فاطمة بنت الحسين انتهى ( يذبح عنه يوم السابع ) أي من يوم الولادة ، وهل يحسب يوم الولادة قال ابن عبد البر : نص مالك على أن أول السبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة إلا إن ولد قبل طلوع الفجر ، وكذا نقله البويطي عن الشافعي ، ونقل الرافعي وجهين ورجح الحسان ، واختلف ترجيح النووي كذا في فتح الباري . قلت : الظاهر هو أن يحسب يوم الولادة والله تعالى أعلم .

                                                                                                          وقوله : يذبح على البناء للمجهول . قال الحافظ فيه : إنه لا يتعين الذابح ، وعند الشافعية يتعين من تلزمه نفقة المولود ، وعن الحنابلة يتعين الأب إلا إن تعذر بموت أو امتناع . قال الرافعي : وكأن الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين مئول . قال النووي : يحتمل أن يكون أبواه حينئذ كانا معسرين أو تبرع بإذن الأب ، أو قوله عق أي أمر أو من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما ضحى عمن لم يضح من أمته ، وقد عده بعضهم من خصائصه ، ونص مالك على أنه يعق عن اليتيم من ماله ، ومنعه الشافعية ( ويسمى ) بصيغة المجهول وفيه دليل على سنية تسمية المولود يوم السابع ، وقد ورد فيه غير هذا الحديث ، ففي البزار وصحيحي ابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما . وفي معجم الطبراني الأوسط عن ابن عمر مرفوعا : إذا كان اليوم السابع للمولود فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وسموه وسنده صحيح ، وقد ثبت تسمية المولود يوم يولد . ففي صحيح البخاري عن أبي موسى قال : ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة الحديث . وفيه عن أبي أسيد أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابنه حين ولد فسماه المنذر ، وفي صحيح مسلم عن أنس رفعه قال : ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم الحديث ( ويحلق رأسه ) أي جميعه لثبوت النهي عن القزع .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) قال المنذري : وقال غير واحد من الأئمة إن حديث [ ص: 96 ] الحسن عن سمرة كتاب إلا حديث العقيقة وتصحيح الترمذي له يدل على ذلك ، وقد حكى البخاري في الصحيح ما يدل على سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة انتهى .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع ، فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر ، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين ) قال الحافظ في الفتح بعد نقل قول الترمذي هذا ما لفظه : لم أر هذا صريحا إلا عن أبي عبد الله البوشنجي ، ونقله صالح بن أحمد عن أبيه ، وورد فيه حديث أخرجه الطبراني من رواية إسماعيل بن مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ، وإسماعيل ضعيف . وذكر الطبراني أنه تفرد به ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قلت : قال الحافظ في التقريب : إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق كان من البصرة ثم سكن مكة وكان فقيها وكان ضعيف الحديث انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقالوا لا يجزئ في العقيقة من الشاة إلا ما يجزئ في الأضحية ) قد ورد في أحاديث العقيقة لفظ الشاة والشاتين مطلقا من غير تقييد : فإطلاق لفظ الشاة والشاتين يدل على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية ، وفيه وجهان للشافعية وأصحهما يشترط ، قال الحافظ : وهو بالقياس لا بالخبر انتهى .

                                                                                                          قلت : لم يثبت الاشتراط بحديث صحيح أصلا بل ولا بحديث ضعيف ، فالذين قالوا بالاشتراط ليس لهم دليل غير القياس . قال الشوكاني في النيل : هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية ، وفيه وجهان للشافعية ، وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق ، لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل هاهنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل . انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          قال القسطلاني في شرح البخاري : وسن طبخها كسائر الولائم إلا رجلها فتعطى نيئة للقابلة لحديث الحاكم انتهى .

                                                                                                          قلت : قال الحافظ في التلخيص : روى الحاكم من حديث علي قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 97 ] فاطمة فقال : زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة ، ورواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا انتهى .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          قد اشتهر أنه لا يكسر عظام العقيقة ، وقد ورد فيه حديث لكنه مرسل ، قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : ذكر أبو داود في المراسيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما أن " ابعثوا إلى بيت القابلة برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظما " انتهى .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          قد اشتهر أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه ، وقد ورد فيه حديث لكنه ليس بصحيح قال الحافظ في فتح الباري : أخرج البزار من رواية عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة ، قال البزار : تفرد به عبد الله وهو ضعيف انتهى . وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين أحدهما من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة ، وإسماعيل ضعيف أيضا . وقد قال عبد الرزاق إنهم تركوا حديث عبد الله بن محرر من أجل هذا الحديث ، فلعل إسماعيل سرقه منه . ثانيهما من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل وداود بن محبر قالا حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس وداود ضعيف ، لكن الهيثم ثقة وعبد الله من رجال البخاري ، فالحديث قوي الإسناد ، ثم قال : فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا ، وذكر ما فيه من الجرح والتعديل ثم قال : فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة ، ويحتمل أو يقال إن صح هذا الخبر كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمته انتهى .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          قال الشوكاني : اختلف في مبدأ وقت ذبح العقيقة ، فقيل وقتها وقت الضحايا أو من وقت الضحى أو غير ذلك ، وقيل : إنها تجزئ في الليل ، وقيل : لا على حسب الخلاف في الأضحية ، وقيل : تجزئ في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الدليل على أنه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية انتهى .

                                                                                                          فائدة :

                                                                                                          إذا مات المولود قبل يوم السابع هل يعق عنه أم لا ؟ فقيل لا يعق عنه وهو قول مالك . قال الحافظ في الفتح قوله صلى الله عليه وسلم : " يذبح عنه يوم السابع " تمسك به من قال إن العقيقة مؤقتة باليوم السابع ، وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع وأنها تفوت بعده وهو قول مالك . وقال أيضا إن مات قبل السابع سقطت العقيقة . وفي رواية ابن وهب عن مالك : أن من لم يعق عنه في السابع الأول عق عنه في السابع الثاني . قال ابن وهب : ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          [ ص: 98 ] قلت : والظاهر أن العقيقة مؤقتة باليوم السابع ، فقول مالك هو الظاهر والله تعالى أعلم . وأما رواية السابع الثاني والسابع الثالث فضعيفة كما عرفت فيما مر .




                                                                                                          الخدمات العلمية