الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2391 حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ بعبادة الله ورجل كان قلبه معلقا بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهكذا روي هذا الحديث عن مالك بن أنس من غير وجه مثل هذا وشك فيه وقال عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وعبيد الله بن عمر رواه عن خبيب بن عبد الرحمن ولم يشك فيه يقول عن أبي هريرة حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر حدثني خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك بن أنس بمعناه إلا أنه قال كان قلبه معلقا بالمساجد وقال ذات منصب وجمال

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا الأنصاري ) هو إسحاق بن موسى الخطمي أبو موسى المدني ( عن حفص بن عاصم ) بن عمر بن الخطاب العمري ، ثقة من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( سبعة ) أي سبعة أشخاص ( يظلهم الله ) أي يدخلهم ( في ظله ) . قال عياض : إضافة الظل إلى الله إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه . قال الحافظ في الفتح : وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره ، كما قيل للكعبة : بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه ، وقيل : المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض . وقيل : المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن : " سبعة يظلهم الله في ظل عرشه " فذكر الحديث قال : وإذا كان المراد العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح ، وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود ، قال : وبهذا يندفع قول من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنة ؛ لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلها ، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة فيرجح أن المراد ظل العرش ، وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا : أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل ، انتهى ( إمام عادل ) قال الحافظ : المراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه ، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه : إن [ ص: 58 ] المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا . قال : وأحسن ما فسر به العادل الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط ، وقدمه في الذكر لعموم النفع به ( وشاب ) خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد ، وأدل على غلبة التقوى ( نشأ ) أي نما وتربى ( بعبادة الله ) أي " لا في " معصيته فجوزي بظل العرش لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه ( ورجل كان قلبه معلقا بالمسجد ) وفي رواية الشيخين : ورجل قلبه معلق في المساجد وقال الحافظ : ظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه ، وإن كان جسده خارجا عنه . ويدل عليه رواية الجوزقي : كأنما قلبه معلق في المسجد ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد : معلق بالمساجد وكذا رواية سليمان : من حبها ( إذا خرج منه ) أي من المسجد ( حتى يعود إليه ) لأن المؤمن في المسجد كالسمك في الماء ، والمنافق في المسجد كالطير في القفص ( ورجلان ) مثلا ( تحابا ) بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة ، وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط ( في الله ) أي لله أو في مرضاته ( فاجتمعا على ذلك ) أي على الحب في الله إن اجتمعا ( وتفرقا ) أي إن تفرقا يعني يحفظان الحب في الحضور والغيبة . وقال الحافظ : والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي ، سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت .

                                                                                                          تنبيه : عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان ; لأن المحبة لا تتم إلا باثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر ; لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها ( ورجل ذكر الله ) أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر ( خاليا ) أي من الناس أو من الرياء أو مما سوى الله ( ففاضت عيناه ) أي فاضت الدموع من عينيه وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت ( ورجل دعته ) امرأة إلى الزنا بها ( ذات حسب ) قال ابن الملك : الحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه وقيل الخصال الحميدة له ولآبائه ( فقال : إني أخاف الله عز وجل ) الظاهر أنه يقول ذلك بلسانه ، إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها ويحتمل أن يقوله بقلبه . قاله عياض قال القرطبي : إنما يصدر ذلك عن شدة خوف [ ص: 59 ] من الله تعالى ومتين تقوى وحياء ( ورجل تصدق بصدقة ) نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير ، وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة لكن نقل النووي عن العلماء : أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها ( فأخفاها ) قال ابن الملك هذا محمول على التطوع لأن إعلان الزكاة أفضل ( حتى لا تعلم ) بفتح الميم وقيل بضمها ( شماله ما تنفق يمينه ) قيل : فيه حذف ، أي لا يعلم من بشماله ، وقيل : يراد المبالغة في إخفائها ، وأن شماله لو تعلم لما علمتها قال الحافظ في الفتح : وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فقال :


                                                                                                          وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق
                                                                                                          وباك مصل والإمام بعدله

                                                                                                          ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا : من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية ، فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له . وقد تتبع الحافظ فوجد خصالا أخرى غير الخصال المذكورة ، وأوردها في جزء سماه معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك في موطئه ومسلم في صحيحه .

                                                                                                          قوله : ( وهكذا روي هذا الحديث عن مالك بن أنس من غير وجه مثل هذا وشك فيه وقال عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد ) وكذلك أخرجه مالك في موطئه بالشك وكذلك أخرجه مسلم من طريق مالك ( وعبيد الله بن عمر رواه عن خبيب بن عبد الرحمن ولم يشك فيه فقال عن أبي هريرة ) وكذلك روى الشيخان من طريق عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة من غير شك ، قال الحافظ : لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك ورواية مالك في الموطأ عن خبيب ، فقال : عن أبي سعيد أو أبي هريرة على الشك ، ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما وتابعه مصعب الزبيري وشذ في ذلك عن أصحاب مالك والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 60 ] قوله : ( حدثنا سوار بن عبد الله ) بن سوار بن عبد الله بن قدامة التميمي العنبري أبو عبد الله البصري قاضي الرصافة وغيرها ، ثقة من العاشرة غلط من تكلم فيه ( أخبرنا يحيى بن سعيد ) هو القطان ( عن عبيد الله بن عمر ) هو العمري ( عن خبيب بن عبد الرحمن ) بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه ( عن حفص بن عاصم ) هو جد عبيد الله المذكور لأبيه .

                                                                                                          قوله : ( ذات منصب ) بكسر الصاد : أصل أو شرف أو حسب أو مال ( وجمال ) أي مزيد حسن .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية