الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          31 حدثنا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقال محمد بن إسمعيل أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان قال أبو عيسى وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية وبه يقول الشافعي وقال أحمد إن سها عن تخليل اللحية فهو جائز وقال إسحق إن تركه ناسيا أو متأولا أجزأه وإن تركه عامدا أعاد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عامر بن شفيق ) ابن جمرة بالجيم والراء الأسدي الكوفي لين الحديث كذا في [ ص: 108 ] التقريب ، وقال الذهبي في الميزان : ضعفه ابن معين ، وقال أبو حاتم ليس بقوي ، وقال النسائي ليس به بأس . انتهى . وذكره ابن حبان في الثقات ، وحسن حديثه الإمام البخاري وصححه الترمذي ، فالظاهر أنه يصلح للاحتجاج ، وأما قول أبي حاتم ليس بقوي وتضعيف ابن معين فهو مجمل .

                                                                                                          قوله : ( كان يخلل لحيته ) وفي حديث أنس عند أبي داود أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والدارقطني والبيهقي كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها ، وحديث ابن عمر هذا صححه ابن السكن وضعفه غيره .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث صحيح ) وقال الترمذي في علله الكبير : قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري أصح شيء عندي في التحليل حديث عثمان وهو حديث حسن . انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ الزيلعي : أمثل أحاديث تخليل اللحية حديث عثمان ، وقال الحافظ في بلوغ المرام : أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة . انتهى ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد . انتهى ، والحديث رواه أيضا ابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني .

                                                                                                          قوله : ( وقال بهذا أكثر أهل العلم ) أي قالوا بما يدل عليه أحاديث الباب من استحباب تخليل اللحية . ( من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية ) وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعلي وسعيد بن جبير وأبي قلابة ومجاهد وابن سيرين والضحاك وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يخللون لحاهم ، ومن روي عنه أنه كان لا يخلل إبراهيم النخعي والحسن وابن الحنفية وأبو العالية وأبو جعفر الهاشمي والشعبي ومجاهد والقاسم وابن أبي ليلى ، ذكر ذلك عنهم ابن أبي شيبة بأسانيده إليهم ، ذكره الشوكاني .

                                                                                                          ( وقال إسحاق إن تركه ناسيا أو متأولا أجزأه وإن تركه عامدا أعاده ) أي أعاد الوضوء ، فعند إسحاق تخليل اللحية واجب في [ ص: 109 ] الوضوء ، واستدل من قال بالوجوب ببعض أحاديث التخليل الذي وقع فيه قوله صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي . أجاب عنه من قال بالاستحباب بأنه لا يصلح للاستدلال به على الوجوب ، لما فيه من المقال ، وقال الشوكاني في النيل : والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب; لأنها أفعال وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي لا يفيد الوجوب على الأمة لظهوره في الاختصاص به ، وهو يتخرج على الخلاف المشهور في الأصول : هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا؟ والفرائض لا تثبت إلا بيقين ، والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدمها ، لا شك في ذلك لأن في كل واحد منهما من التقول على الله بما لم يقل ، ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته ، ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه ، نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب . انتهى كلام الشوكاني ، وقد استدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا - أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه - ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ، الحديث رواه البخاري ، وإلى هذا الاستدلال أشار الشوكاني بقوله : ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي لغسل وجهه وتخليل لحيته إلخ ، وقد استدل ابن تيمية بحديث ابن عباس هذا على عدم وجوب إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثة فقال : وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن اللحية الكثة مع غسل الوجه ، فعلم أنه لا يجب . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية