الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2977 حدثنا عبد بن حميد حدثني سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كانت اليهود إذا حاضت امرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن وأن يكونوا معهن في البيوت وأن يفعلوا كل شيء ما خلا النكاح فقالت اليهود ما يريد أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه قال فجاء عباد بن بشر وأسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك وقالا يا رسول الله أفلا ننكحهن في المحيض فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه قد غضب عليهما فقاما فاستقبلتهما هدية من لبن فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهما فسقاهما فعلما أنه لم يغضب عليهما قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس نحوه بمعناه [ ص: 255 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 255 ] قوله : ( حدثني سليمان بن حرب ) الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري القاضي بمكة ثقة ، إمام حافظ من التاسعة .

                                                                                                          قوله : ( كانت اليهود ) جمع يهودي ، كروم ورومي والظاهر أن اليهود قبيلة سميت باسم جدها يهودا أخي يوسف الصديق ، واليهودي منسوب إليهم بمعنى واحد منهم . وقال النووي : يهود غير مصروف لأن المراد قبيلة ، فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية ، ( لم يؤاكلوها ) بالهمز ويبدل واوا ، ( ولم يجامعوها ) أي لم يساكنوها ولم يخالطوها فأنزل الله تبارك وتعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى وتتمة الآية فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله قال القاري في المرقاة : قال في الأزهار : المحيض الأول في الآية هو الدم بالاتفاق لقوله تعالى : قل هو أذى وفي الثاني ثلاثة أقوال : أحدها : الدم ، والثاني : زمان الحيض ، والثالث : مكانه وهو الفرج ، وهو قول جمهور المفسرين ، وأزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم الأذى ما يتأذى به الإنسان . قيل : سمي بذلك لأن له لونا كريها ورائحة منتنة ونجاسة مؤذية مانعة عن العبادة قال الخطابي والبغوي : التنكير هنا للقلة ، أي أذى يسير لا يتعدى ولا يتجاوز إلى غير محله وحرمه ، فتجتنب وتخرج من البيت كفعل اليهود والمجوس نقله السيد ، يعني الحيض أذى يتأذى معه الزوج من مجامعتها فقط دون المؤاكلة والمجالسة والافتراش ، أي فابعدوا عنهن بالمحيض ، أي في مكان الحيض وهو الفرج أو حوله مما بين السرة والركبة احتياطا . انتهى ما في المرقاة ( وأن يفعلوا كل شيء ) من الملامسة والمضاجعة ( ما خلا النكاح ) ، أي الجماع وهو حقيقة في الوطء . وقيل في العقد فيكون إطلاقا لاسم السبب على المسبب ، وهذا تفسير للآية وبيان لقوله : فاعتزلوا فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمضاجعة ، والحديث بظاهره يدل على جواز الانتفاع بما تحت الإزار وهو قول أحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي في قوله القديم وبعض المالكية ( ما يريد ) أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أن يدع ) أي يترك ( من أمرنا ) أي من أمور ديننا ( شيئا ) من الأشياء في حال من الأحوال ( إلا خالفنا ) بفتح الفاء ( فيه ) إلا حال مخالفته إيانا فيه ، [ ص: 256 ] يعني لا يترك أمرا من أمورنا إلا مقرونا بالمخالفة ، كقوله تعالى : لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ( فجاء عباد بن بشر ) من بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم بالمدينة على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ وشهد بدرا وأحدا ، والمشاهد كلها ووقع في بعض النسخ عباد بن بشير وهو غلط ( وأسيد بن حضير ) بالتصغير فيهما أنصاري أوسي أسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير أيضا ، وكان ممن شهد العقبة الثانية وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، ( أفلا ننكحهن في المحيض ) أي أفلا نباشرهن بالوطء في الفرج أيضا لكي تحصل المخالفة التامة معهم ( فتمعر وجه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) أي تغير ; لأن تحصيل المخالفة بارتكاب المعصية لا يجوز . قال الخطابي : معناه تغير ، والأصل في التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون ومنه مكان معر وهو الجدب الذي ليس فيه خصب . انتهى .

                                                                                                          قال محشي النسخة الأحمدية ما لفظه : ووقع في رواية مسلم ، أفلا نجامعهن كما هو في المشكاة أيضا مكان أفلا ننكحهن ، وفسره القاري في المرقاة والشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات . أفلا نجامعهن في البيوت ، وفي الأكل والشرب لمرافقتهم أو خوف ترتب الضرر الذي يذكرونه . انتهى مجموع عبارتهما . ولا يخفى أن قوله أفلا ننكحهن كما وقع في هذا الكتاب ، وكذا في سنن أبي داود يرد توجيه الشارحين في شرحي المشكاة ، ثم رأيت شرح مسلم للنووي وشرح المشكاة للطيبي وحاشية السيد فلم أجد أحدا منهم متصديا لبيانه . انتهى .

                                                                                                          قلت : الأمر كما قال المحشي ( حتى ظننا ) أي نحن ، ووقع في بعض النسخ " ظنا " أي هما ، قال الخطابي يريد علمنا ، فالظن الأول حسبان والآخر علم ويقين . والعرب تجعل الظن مرة حسبانا ومرة علما ويقينا ، وذلك لاتصال طرفيهما فمبدأ العلم ظن وآخره علم ويقين . قال الله عز وجل الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم معناه يوقنون ( فاستقبلتهما هدية من لبن ) أي استقبل الرجلين شخص معه هدية يهديها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والإسناد مجازي . ( في أثرهما ) ، بفتحتين أي عقبهما ( فعلمنا أنه لم يغضب عليهما ) أي لم يغضب غضبا شديدا باقيا بل زال غضبه سريعا .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية