الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3036 حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني حدثنا محمد بن إسحق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق قالها قال وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة منالشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال أنا أسرق فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم سآمر في ذلك فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترمهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي ما صنعت فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله المستعان فلم يلبث أن نزل القرآن إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما بني أبيرق واستغفر الله أي مما قلت لقتادة إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله إلى قوله غفورا رحيما أي لو استغفروا الله لغفر لهم ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه إلى قوله إثما مبينا قوله للبيد ولولا فضل الله عليك ورحمته إلى قوله فسوف نؤتيه أجرا عظيما فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة فقال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عشا أو عسى في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد ابن سمية فأنزل الله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعره فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمت به في الأبطح ثم قالت أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسل لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك بن سنان

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني ) ، بفتح حاء مهملة وشدة راء وبنون ، نزيل بغداد ثقة يغرب من الحادية عشرة ( أخبرنا محمد بن سلمة ) بن عبد الله الباهلي مولاهم ، ثقة من الحادية عشرة ( أخبرنا محمد بن إسحاق ) هو صاحب المغازي ( عن أبيه ) أي عمر بن قتادة الظفري الأنصاري المدني ، مقبول من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( يقال لهم بنو أبيرق ) بضم الهمزة وفتح الموحدة مصغرا ( ثم ينحله بعض العرب ) [ ص: 314 ] أي ينسبه إليهم من النحلة وهي النسبة بالباطل كذا في النهاية . وقال في القاموس : نحله القول كمنعه : نسبه إليه ( قال فلان ، كذا وكذا ) وقعت هذه الجملة في بعض النسخ مكررة هكذا قال فلان كذا وكذا ، وقال فلان كذا وكذا ( أو كما قال الرجل ) " أو " للشك من الراوي ، أي قال لفظ الخبيث . أو قال لفظ الرجل ( وقال ابن الأبيرق قالها ) أي هذه الأشعار ( وكانوا ) أي بنو أبيرق ( إذا كان له يسار ) أي غنى ( فقدمت ضافطة من الشام ) قال في النهاية : الضافط والضفاط : من يجلب الميرة والمتاع إلى المدن ، والمكاري : الذي يكري الأحمال وكانوا يومئذ قوما من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما ( من الدرمك ) بوزن جعفر ، هو الدقيق الحواري ( فجعله ) أي فوضعه ( في مشربة ) في القاموس : المشربة وقد تضم الراء : الغرفة والعلية ( سلاح ) بكسر السين وهو اسم جامع لآلات الحرب والقتال يذكر ويؤنث ( درع وسيف ) بيان لـ " سلاح " ( فعدي عليه ) بصيغة المجهول أي سرق ماله وظلم ، يقال عدا عليه : أي ظلمه ( فنقبت ) من التنقيب أو النقب ( فتحسسنا ) من التحسس بالحاء المهملة : قال في النهاية التجسس بالجيم : التفتيش عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في الشر ، وقيل التجسس بالجيم : أن يطلبه لغيره ، وبالحاء : أن يطلبه لنفسه ، وقيل بالجيم : البحث عن العورات ، وبالحاء : الاستماع . وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأخبار ، وفي القاموس : التحسس الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخير ( في الدار ) أي في المحلة ( ونحن نسأل في الدار ) جملة حالية ( والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل ) هذا مقول قالوا [ ص: 315 ] ( رجل منا ) أي هو رجل منا ( له صلاح وإسلام ) صفة لرجل ( اخترط سيفه ) أي استله ( إليك عنها ) أي تنح عنها ( فما أنت بصاحبها ) أي لست بصاحب السرقة ( حتى لم نشك أنهم ) أي بني أبيرق ( أهل جفاء ) بالنصب صفة لأهل بيت ، والجفاء بالمد : ترك البر والصلة . ( ولا تكن للخائنين خصيما بني أبيرق ) ، قوله بني أبيرق تفسير وبيان للخائنين ( مما قلت لقتادة ) ، هذا تفسير وبيان لما أمر الله نبيه بالاستغفار منه ( أي لو استغفروا الله لغفر لهم ) هذا تفسير يتعلق بقوله تعالى في الآية ، ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ، ( قولهم للبيد ) هذا تفسير [ ص: 316 ] لقوله تعالى في الآية ، ثم يرم به بريئا .

                                                                                                          ( وكان شيخنا قد عشا أو عسا ) هو بالسين المهملة ، أي كبر وأسن من عسا القضيب إذا يبس وبالمعجمة أي قل بصره وضعف كذا في النهاية . وقال في القاموس : عسا الشيخ يعسو عسوا وعسوا وعسيا وعساء ، وعسى عسى كبر ، والنبات عساء وعسوا ، غلظ ويبس ، والعشا مقصورة : سوء البصر بالليل والنهار كالعشاوة أو العمى ، عشي كرضي ، ودعا عشا ( في الجاهلية ) متعلق بعشا ( وكنت أرى ) بضم الهمزة أي أظن ( مدخولا ) . قال في النهاية : الدخل بالتحريك : العيب والغش والفساد ، يعني أن إيمانه كان متزلزلا فيه نفاق ( فنزل على سلافة ) بضم سين مهملة وخفة لام وبفاء .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ الأصبهاني والحاكم في مستدركه . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .




                                                                                                          الخدمات العلمية