الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          3259 حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة قال هذا حديث حسن صحيح ويروى عن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( سورة محمد صلى الله عليه وسلم ) وتسمى سورة القتال ، مدنية وهي ثمان أو تسع وثلاثون آية

                                                                                                          قوله : واستغفر لذنبك أي استغفر الله مما ربما يصدر منك من ترك الأولى . وقيل لتستن به أمته وليقتدوا به في ذلك . وقيل غير ذلك كما ستقف وللمؤمنين والمؤمنات فيه إكرام من الله عز وجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ( إني لأستغفر الله ) وفي رواية البخاري : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه " . قال الحافظ : فيه القسم على الشيء تأكيدا له وإن لم يكن عند السامع فيه شك ، وظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة ، ويحتمل أن يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه ، ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة ، وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ : إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة ( في اليوم سبعين مرة ) وفي رواية البخاري : " أكثر من سبعين مرة " . قال الحافظ تحت هذه الرواية ما لفظه : وقع في حديث أنس : ( إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة ) . فيحتمل أن يريد المبالغة ويحتمل أن يريد العدد بعينه ، وقوله " أكثر " مبهم فيحتمل أن يفسر بحديث ابن عمر المذكور وأنه يبلغ المائة . قوله ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ( ويروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة إلخ ) رواه النسائي كما صرح به الحافظ في الفتح .

                                                                                                          [ تنبيه ] : قد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعي وقوع معصية ، وأجيب بعدة أجوبة منها أن المراد باستغفاره صلى الله عليه وسلم استغفاره من الغين الذي وقع في حديث [ ص: 103 ] الأغر المزني عند مسلم : إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة قال عياض . المراد من الغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه فإذا فتر عنه لأمر ما ، عد ذلك ذنبا فاستغفر عنه ، ومنها قول ابن الجوزي : هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد . والأنبياء وإن عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر ، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا ، ومنها قول ابن بطال : الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى . ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ، ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس . ومنها أن الاستغفار تشريع لأمته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم . وقال الغزالي في الإحياء : كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة ، وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال ، وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك كذا في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية