الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3574 حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة حدثني البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت فإن مت في ليلتك مت على الفطرة قال فرددتهن لأستذكره فقلت آمنت برسولك الذي أرسلت فقال قل آمنت بنبيك الذي أرسلت قال وهذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن البراء ولا نعلم في شيء من الروايات ذكر الوضوء إلا في هذا الحديث

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا جرير ) بن عبد الحميد ( عن منصور ) بن المعتمر ( عن سعد بن عبيدة ) السلمي .

                                                                                                          قوله : " إذا أخذت " أي : أتيت كما في رواية " مضجعك " بفتح الميم والجيم من ضجع يضجع من باب منع يمنع والمعنى : إذا أردت النوم في مضجعك " فتوضأ وضوءك للصلاة " أي : كوضوئك للصلاة فهو منصوب بنزع الخافض " ثم اضطجع " أصله اضتجع من باب الافتعال فقلبت التاء طاء " على شقك " بكسر المعجمة وتشديد القاف أي : جانبك " اللهم أسلمت " أي : استسلمت وانقدت والمعنى : جعلت ذاتي منقادة لك تابعة لحكمك ؛ إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها " وفوضت أمري إليك " من التفويض ، وهو تسليم الأمر إلى الله تعالى والمعنى : توكلت عليك في أمري كله " وألجأت " أي : أسندت " ظهري إليك " أي : اعتمدت عليك في أمري كله لتعينني على ما ينفعني ؛ لأن من استند إلى شيء تقوى به واستعان به وخصه بالظهر ؛ لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى من يستند إليه " رغبة ورهبة إليك " وفي رواية عند أحمد والنسائي : " رهبة منك ورغبة إليك " أي : طمعا في رفدك وثوابك وخوفا من عذابك ومن عقابك ، قال الطيبي : منصوبان على العلة بطريق اللف والنشر أي : فوضت أموري طمعا في ثوابك وألجأت ظهري من المكاره إليك مخافة من عذابك . انتهى . وقيل : مفعول لهما لألجأت ، وقال القاري إن نصبهما على الحالية أي : راغبا وراهبا أو الظرفية أي : في حال الطمع والخوف يتنازع فيهما [ ص: 20 ] الأفعال المتقدمة كلها " لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك " أي : لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلا إلى رحمتك . قال الحافظ : أصل ملجأ بالهمزة ومنجا بغير همزة ، ولكن لما جمعا جازا أن يهمزا للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الآخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة . قال العيني : إعرابهما مثل إعراب عصى ، وفي هذا التركيب خمسة أوجه ؛ لأنه مثل لا حول ولا قوة إلا بالله والفرق بين نصبه وفتحها بالتنوين وعدمه وعند التنوين تسقط الألف ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان منك ، وإن كانا مكانين فلا ؛ إذ اسم المكان لا يعمل ، وتقديره : لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجا منك إلا إليك . انتهى " آمنت بكتابك " يحتمل أن يريد به القرآن ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب أنزل " ونبيك الذي أرسلت " وقع في رواية " أرسلته وأنزلته " في الأول بزيادة الضمير المنصوب فيهما " مت على الفطرة " أي : على دين الإسلام ، وقال الطيبي : أي : مت على الدين القويم ملة إبراهيم -عليه السلام- فإن إبراهيم -عليه السلام- أسلم واستسلم ، وقال أسلمت لرب العالمين وجاء ربه بقلب سليم ( فرددتهن ) أي : رددت تلك الكلمات على النبي -صلى الله عليه وسلم- ( لأستذكره ) وفي رواية مسلم : لأستذكرهن أي : لأحفظ وأتذكر تلك الكلمات منه -صلى الله عليه وسلم- ، وأما تذكير الضمير في هذا الكتاب فبتأويل الدعاء ( فقال ) أي : النبي -صلى الله عليه وسلم- " قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت " ذكروا في إنكاره -صلى الله عليه وسلم- ورده اللفظ أوجها منها : أمره أن يجمع بين صفتيه وهما الرسول والنبي صريحا ، وإن كان وصف الرسالة يستلزم النبوة . ومنها أن ذكره احتراز عمن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام لأنهم رسل الأنبياء ، ومنها أنه يحتمل أن يكون رده دفعا للتكرار لأنه قال في الأولى : " ونبيك الذي أرسلت " . قال الحافظ : وأولى ما قيل : في الحكمة في رده -صلى الله عليه وسلم- على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به . وهذا اختيار المازري قال : فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها ، وقال النووي : في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة : إحداها - الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء ؛ لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته ، وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه ، الثانية - النوم على الشق الأيمن ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه . الثالثة - ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله . انتهى . قوله : ( وهذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان [ ص: 21 ] وأبو داود والنسائي ( ولا نعلم في شيء من الروايات ذكر الوضوء إلخ ) أي : عند النوم .




                                                                                                          الخدمات العلمية