الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3955 حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس قال أبو عيسى وهذا حديث حسن غريب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا هشام بن سعد ) المدني ( عن سعيد بن أبي سعيد ) المقبري . قوله : " لينتهين " بلام مفتوحة جواب قسم مقدر أي : والله ليمتنعن عن الافتخار " أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا " أي : على الكفر وهذا الوصف بيان للواقع لا مفهوم له ولعل وجه ذكره أنه أظهر في توضيح التقبيح ، ويؤيده ما رواه أحمد عن أبي ريحانة مرفوعا : " من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وكرما كان عاشرهم في النار " إنما هم " أي : آباؤهم " فحم جهنم " قال الطيبي : حصر آبائهم على كونهم فحما من جهنم لا يتعدون ذلك إلى فضيلة يفتخر بها " ، أو ليكونن " بضم النون الأولى عطفا على لينتهين والضمير الفاعل العائد إلى أقوام وهو واو الجمع محذوف من ليكونن ، والمعنى ، أو ليصيرن " أهون " أي : أذل " على الله " أي : عنده " من الجعل " بضم جيم وفتح عين ، وهو دويبة سوداء تدير الغائط يقال لها : الخنفساء قوله : " الذي يدهده الخراء " أي : يدحرجه " بأنفه " صفة كاشفة له ، والخراء بكسر الخاء ممدودا وهو العذرة ، والحاصل أنه -صلى الله عليه وسلم- شبه المفتخرين بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بالجعل ، وآباءهم المفتخر بهم بالعذرة ، ونفس افتخارهم بهم بالدهدهة بالأنف ، والمعنى أن أحد الأمرين واقع ألبتة إما الانتهاء عن الافتخار ، أو كونهم أذل عند الله تعالى من الجعل الموصوف " إن الله أذهب " أي : أزال ورفع " عبية الجاهلية " بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح التحتية المشددة أي : نخوتها وكبرها ، قال الخطابي : العبية الكبر والنخوة وأصله من العب وهو الثقل يقال : عبية وعبية بضم العين وكسرها " وفخرها " أي : [ ص: 317 ] افتخار أهل الجاهلية في زمانهم " إنما هو " أي : المفتخر المتكبر بالآباء " مؤمن تقي وفاجر شقي " قال الخطابي : معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه ، وفاجر شقي فهو الدنيء وإن كان في أهله شريفا رفيعا . انتهى ، وقيل معناه : إن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد ، أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله ، والذليل لا يستحق التكبر ، فالتكبر منفي بكل حال " الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب " أي : فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر ، أو اذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وجه للتكبر ؛ لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة ، نعم العاقبة للمتقين وهي مبهمة ، فالخوف أولى للسالك من الاشتغال بهذه المسالك . قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر ) أخرجه الترمذي في تفسير سورة الحجرات ( وابن عباس ) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، والبيهقي في شعب الإيمان عنه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية ، فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية . قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أبو داود وابن حبان .




                                                                                                          الخدمات العلمية