الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان

                                                                                                          48 حدثنا هناد وقتيبة قالا حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن أبي حية قال رأيت عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم ثم قال أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو والربيع وعبد الله بن أنيس وعائشة رضوان الله عليهم حدثنا قتيبة وهناد قالا حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن عبد خير ذكر عن علي مثل حديث أبي حية إلا أن عبد خير قال كان إذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربه قال أبو عيسى حديث علي رواه أبو إسحق الهمداني عن أبي حية وعبد خير والحارث عن علي وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه حديث الوضوء بطوله وهذا حديث حسن صحيح قال وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي قال وروي عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي قال وروي عنه عن مالك بن عرفطة مثل رواية شعبة والصحيح خالد بن علقمة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا أبو الأحوص ) هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة متقن صاحب حديث من السابعة ( عن أبي إسحاق ) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة مدلس ( عن أبي حية ) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتانية المفتوحة هو ابن قيس الهمداني الوادعي ، عن علي ، وعنه أبو إسحاق فقط ، قال أحمد : شيخ ، كذا في الخلاصة ، وقال الحافظ في التقريب : قيل اسمه عمرو بن نصر ، وقيل : اسمه عبد الله وقيل : اسمه عامر بن الحارث ، وقال أبو أحمد الحاكم وغيره لا يعرف اسمه ، مقبول من الثالثة . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( توضأ فغسل كفيه ) أي شرع في الوضوء أو أراده فالفاء تعقيبية ، والأظهر أنها لتفصيل ما أجمل في قوله " توضأ " قاله القاري .

                                                                                                          ( فغسل كفيه ) المراد من الكفين اليدان إلى الرسغين ( حتى أنقاهما ) أي أزال الوسخ عنهما ( ومسح برأسه مرة ) فيه دليل على أن السنة في مسح الرأس أن يكون مرة واحدة ، وعليه الجمهور ، وقد تقدم الكلام في هذا في باب ما جاء أن مسح الرأس مرة ( ثم غسل قدميه إلى الكعبين ) فيه رد على من جوز المسح على الرجلين بغير خف أو جورب ( ثم قام فأخذ فضل طهوره ) بفتح الطاء أي بقية مائه الذي توضأ به ( فشربه وهو قائم ) زاد في رواية للبخاري " ثم قال إن أناسا يكرهون الشرب قائما وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت " قال ابن الملك : أما شرب فضله فلأنه ماء أدى به عبادة وهي الوضوء ، فيكون فيه بركة فيحسن شربه قائما تعليما للأمة أن الشرب قائما جائز فيه .

                                                                                                          قلت : هذا الحديث يدل على جواز الشرب قائما ، وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري ، وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعليا كانوا يشربون قياما ، وكان سعد وعائشة لا يرون بذلك بأسا [ ص: 136 ] وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين ، وقد ثبت المنع عن الشرب قائما ، ففي صحيح مسلم عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما ، وفي رواية أخرى عنده نهى أن يشرب الرجل قائما ، وفيه عن أبي هريرة : لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستق ، فسلك أهل العلم في هذا مسالك : فمنهم من قال : إن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي ، ومنهم من قال : إن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث الجواز ، ومنهم من قال : إن أحاديث النهي محمولة على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه . قال الحافظ : هذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض ، ويأتي الكلام مبسوطا في هذه المسألة في موضعها .

                                                                                                          ( ثم قال ) أي علي رضي الله عنه ( كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بضم الطاء أي وضوءه وطهارته .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو وعائشة والربيع وعبد الله بن أنيس ) أما حديث عثمان فأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ، وأما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وغيره ، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وأما حديث عائشة فلم أقف عليه ، وأما حديث الربيع وهي بنت معوذ بن عفراء فأخرجه أبو داود ، وأما حديث عبد الله بن أنيس فلينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( عن عبد خير ) ابن يزيد الهمداني أبي عمارة الكوفي ، مخضرم ثقة من الثانية ، لم يصح له صحبة ، وهو من كبار أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني ) هو عمرو بن عبد الله السبيعي أي روى أبو إسحاق الهمداني حديث علي عن [ ص: 137 ] ثلاثة شيوخ : أبي حية وعبد خير والحارث وهؤلاء رووا عن علي .

                                                                                                          قوله : ( وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي حديث الوضوء بطوله ) أخرج حديث قدامة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي أبو داود والنسائي والدارمي والدارقطني .

                                                                                                          ( فقال مالك بن عرفطة ) بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وفتح الطاء ، أي قال شعبة : مالك بن عرفطة مكان خالد بن علقمة . واتفق الحفاظ كالترمذي وأبي داود والنسائي على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بن عرفطة ، وإنما هو خالد بن علقمة ، قال النسائي في سننه : قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وروي عن أبي عوانة إلخ ) بصيغة المجهول أي روي مرة عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي ، وروي مرة أخرى عن أبي عوانة عن مالك بن عرفطة ، كما روى شعبة ، والصحيح خالد بن علقمة ، قال أبو داود في سننه : مالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة ، أخطأ فيه شعبة ، قال : أبو داود قال أبو عوانة يوما : حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير فقال عمرو الأعصف : رحمك الله أبا عوانة هذا خالد بن علقمة ولكن شعبة مخطئ فيه ، فقال أبو عوانة : هو في كتابي خالد بن علقمة ولكن قال شعبة : هو مالك بن عرفطة ، قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة ، قال أبو داود : وسماعه قديم ، قال أبو داود : وحدثنا أبو كامل قال : حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة وسماعه متأخر ، كان بعد ذلك رجع إلى الصواب . انتهى .

                                                                                                          اعلم أن هذه العبارة ليست في أكثر نسخ أبي داود ، قال الحافظ المزي بعد ذكر هذه العبارة في رواية أبي الحسن بن العبد : ولم يذكره أبو القاسم . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية