الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      أرواح المؤمنين

                                                                                                      2073 أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      2073 ( إنما نسمة المؤمن ) قال القرطبي : أي : روح المؤمن الشهيد ( طائر في شجر الجنة ) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : [ ص: 109 ] هذا العموم محمول على المجاهدين , وقال القرطبي : هذا الحديث , ونحوه محمول على الشهداء , وأما غيرهم فتارة تكون في السماء , لا في الجنة , وتارة تكون على أفنية القبور قال : ولا يتعجل الأكل والنعيم لأحد , إلا للشهيد في سبيل الله بإجماع من الأمة , حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي , وغير الشهداء بخلاف هذا الوصف إنما يملأ عليه قبره ويفسح له فيه , قلت : وقد ورد التصريح بأن هذا الحديث في الشهداء في بعض طرقه عند الطبراني , فأخرج من طريق سفيان بن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن ابن شهاب , عن ابن كعب بن مالك , عن أبيه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أرواح الشهداء في طير خضر تعلق حيث شاءت , وقال الإمام شمس الدين بن القيم : عرض المقعد لا يدل على أن الأرواح في القبر , ولا على فنائه , بل على أن لها اتصالا به يصح أن يعرض عليها مقعدها , فإن للروح شأنا آخر فتكون في الرفيق الأعلى , وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على صاحبه رد عليه السلام , وهي في مكانها هناك , وهذا جبريل عليه السلام رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- وله ستمائة جناح منها جناحان سدا الأفق , وكان يدنو من النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه , وقلوب المخلصين تتسع للإيمان بأنه من الممكن [ ص: 110 ] أنه كان هذا الدنو , وهو في مستقره من السماوات , وفي الحديث في رؤية جبريل : فرفعت رأسي , فإذا جبريل صاف قدميه بين السماء والأرض يقول : يا محمد أنت رسول الله , وأنا جبريل فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية , إلا رأيته كذلك , وهذا محمل تنزله تعالى إلى سماء الدنيا ودنوه عشية عرفة ونحوه , فهو منزه عن الحركة والانتقال , وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد , فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره , وهذا غلط محض , وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء موسى قائما يصلي في قبره , ويرد على من يسلم عليه , وهو في الرفيق الأعلى , ولا تنافي بين الأمرين , فإن شأن الروح غير شأن الأبدان , وقد مثل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض , وإن كان غير تام المطابقة من حيث إن الشعاع إنما هو عرض للشمس , وأما الروح فهي نفسها تنزل وكذلك رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنبياء ليلة الإسراء في السماوات , الصحيح أنه رأى فيها الأرواح في مثال الأجساد مع ورود أنهم أحياء في قبورهم يصلون , وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : من صلى علي عند قبري سمعته , ومن صلى علي نائيا بلغته , وقال : إن الله وكل بقبري ملكا أعطاه أسماع الخلائق , فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة , إلا أبلغني باسمه واسم أبيه , هذا مع القطع بأن روحه في [ ص: 111 ] أعلى عليين مع أرواح الأنبياء , وهو الرفيق الأعلى فثبت بهذا أنه لا منافاة بين كون الروح في عليين أو الجنة أو السماء , وأن لها بالبدن اتصالا بحيث تدرك وتسمع وتصلي وتقرأ , وإنما يستغرب هذا لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشاهد به هذا , وأمور البرزخ , والآخرة على نمط غير المألوف في الدنيا إلى أن قال : وللروح من سرعة الحركة , والانتقال الذي كلمح البصر ما يقتضي عروجها من القبر إلى السماء في أدنى لحظة , وشاهد ذلك روح النائم , فقد ثبت أن روح النائم تصعد حتى تخترق السبع الطباق وتسجد لله بين يدي العرش , ثم ترد إلى جسده في أيسر الزمان ( وهل ابن عمر ) بكسر الهاء أي : غلط وزنا ومعنى .




                                                                                                      الخدمات العلمية