الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      196 أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عروة أن عائشة أخبرته أن أم سليم كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة جالسة فقالت له يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل أفتغتسل من ذلك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت عائشة فقلت لها أف لك أو ترى المرأة ذلك فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تربت يمينك فمن أين يكون الشبه

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      196 ( إن الله لا يستحيي من الحق ) قال النووي - رحمه الله - قال العلماء : معناه لا يمتنع من بيان الحق [ ص: 113 ] فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه ، وقيل : إن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه ، وإنما قالت هذا اعتذارا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما يستحيي النساء في العادة عن السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال ، ويستحيي بياءين ويقال أيضا بياء واحدة ( فقلت لها : أف لك ) قال النووي - رحمه الله - : معناه استحقارا لها ولما تكلمت به ، وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والإنكار ، قال الباجي : والمراد بها هنا الإنكار ، وأصل الأف وسخ الأظفار ، وفي أف لغات كثيرة قال أبو البقاء : من كسر بناه على الأصل ، ومن فتح طلب التخفيف ، ومن ضم أتبع ، ومن نون أراد التنكير ، ومن لم ينون أراد التعريف ، ومن خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفا ( أو ترى المرأة ذلك ) قال القرطبي : إنكار عائشة وأم سلمة على أم سليم - رضي الله عنهن - قضية احتلام النساء يدل على قلة وقوعه من النساء قلت : وظهر لي أن يقال : إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع لهن احتلام ؛ لأنه من الشيطان ، فعصمن منه تكريما له - صلى الله عليه وسلم - كما عصم هو منه ، ثم رأيت الشيخ ولي الدين قال : وقد رأيت بعض أصحابنا يبحث في الدرس منع وقوع الاحتلام من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا نوما ، والشيطان لا يتمثل به ، فسررت بذلك كثيرا ( تربت يمينك ) قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : للعلماء في معناه [ ص: 114 ] عشرة أقوال : أحدها : استغنيت ، الثاني : ضعف عقلك . الثالث : تربت من العلم . الرابع : تربت إن لم تعقل هذا . الخامس : أنه حث على العلم كقوله : انج ثكلتك أمك ، ولا يريد أن تثكل . السادس : أصابها التراب . السابع : خابت . الثامن : اتعظت . التاسع : أنه دعاء خفيف . العاشر : أنه بثاء مثلثة في أوله ، وقال في النهاية : هذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون به الدعاء على المخاطب ، ولا وقوع الأمر بها ، كما يقولون قاتله الله ، وقيل : معناها لله درك ، وقيل : أراد به المثل ليرى المأمور بذلك الجد ، وأنه إن خالفه فقد أساء ، وقال بعضهم : هو دعاء على الحقيقة ، وأنه قال لعائشة - رضي الله عنها - : تربت يمينك ؛ لأنه رأى الفقر خيرا لها ، والأول أوجه يعضده قوله في حديث خزيمة : أنعم صباحا تربت يداك . فإن هذا دعاء له وترغيب في استعماله ما تقدمت الوصية به . ألا تراه قال : أنعم صباحا ثم عقبه بتربت يداك ، وكثيرا ما يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم ، وإنما يريدون بها المدح كقولهم : لا أب لك ، ولا أم لك ، وموت أمه ، ولا أرض لك ، ونحو ذلك ، وقال النووي : في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها ، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون : أنها كلمة أصلها افتقرت ، ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي ، فيذكرون تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم لك وثكلته أمه وويل أمه ، وما أشبه ذلك من ألفاظهم ، يقولونها عند إنكارهم الشيء أو الزجر عنه أو الذم له أو استعظامه أو الحث عليه أو الإعجاب به ( فمن أين يكون الشبه ) قال النووي : معناه أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة ، فأيهما غلب كان الشبه له ، وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه منها ممكن ، ويقال : شبه بكسر الشين [ ص: 115 ] وسكون الباء وشبه بفتحهما لغتان مشهورتان




                                                                                                      الخدمات العلمية