الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 31 ] ثم دخلت سنة ست عشرة وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها عاث القرمطي - لعنه الله ، وهو أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي - في الأرض فسادا ، حاصر الرحبة ، فدخلها قهرا ، وقتل من أهلها خلقا كثيرا ، وطلب منه أهل قرقيسيا الأمان فأمنهم ، وبعث سرايا إلى ما حولها من الأعراب ، فقتل منهم خلقا أيضا ، حتى صار الناس إذا سمعوا بذكره يهربون من سماع اسمه ، وقرر على الأعراب إتاوة يحملونها إلى هجر في كل سنة ، عن كل رأس ديناران ، وعاث في نواحي الموصل وسنجار وتلك الديار ، وقتل وسلب ونهب ، فقصده مؤنس الخادم فلم يتواجها ، ثم رجع إلى بلده فابتنى بها دارا سماها دار الهجرة ، ودعا إلى المهدي الذي ببلاد المغرب باني المهدية وتفاقم أمره ، وكثر أتباعه ، وصاروا يكبسون القرية من أرض السواد ، فيقتلون أهلها ، وينهبون أموالها ، ورام في نفسه دخول الكوفة وأخذها ، فلم يقدر على ذلك وعصمها الله منه . ولما رأى الوزير علي بن عيسى ما يفعل هذا الهجري القرمطي ببلاد الإسلام ، والخليفة وجيشه ضعفاء عن مقاومته ، استعفى من الوزارة وعزل نفسه عنها ، فسعى فيها أبو علي بن مقلة الكاتب المشهور ، فوليها بسفارة نصر [ ص: 32 ] الحاجب وأبي عبد الله البريدي - بالباء الموحدة من البريد - ويقال : اليزيدي . لخدمة جده يزيد بن منصور الحميري . ثم جهز الخليفة جيشا كثيفا مع مؤنس الخادم ، فاقتتلوا مع القرامطة ، فقتلوا من القرامطة خلقا كثيرا ، وأسروا منهم طائفة كثيرة من أشرافهم ، ودخلوا مع مؤنس الخادم إلى بغداد والأسارى بين يديه ، وأعلام من أعلامهم بيض منكسة مكتوب عليها ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [ القصص : 5 ] ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وطابت أنفس أهل بغداد وانكسر شر القرامطة الذين كانوا قد نشأوا وكثروا وأظهروا رءوسهم بأرض العراق ، ونهبوا كثيرا من القرى ، وفوضوا أمرهم إلى رجل يقال له : حريث بن مسعود - لا أسعده الله - ودعوا إلى المهدي الذي ظهر ببلاد المغرب وبنى المهدية جد الخلفاء الفاطميين وهم أدعياء فيما ذكروا لهم من النسب ، كما نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء ، كما سيأتي تفصيله وبيانه في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت وحشة بين مؤنس الخادم والمقتدر ، وسبب ذلك أن نازوك أمير الشرطة وقع بينه وبين هارون بن غريب - وهو ابن خال المقتدر - فانتصر هارون على نازوك ، وشاع بين العامة أن هارون سيصير أمير الأمراء ، فبلغ ذلك مؤنسا الخادم وهو بالرقة ، فأسرع الأوبة إلى بغداد واجتمع بالخليفة فتصالحا ، ثم إن الخليفة نقل هارون إلى دار الخلافة ، فقويت الوحشة بينهما ، وانضم إلى مؤنس جماعة من الأمراء وترددت الرسل بينهما ، وانقضت هذه السنة والأمر كذلك . وهذا كله من ضعف الأمور واضطرابها ، وكثرة الفتن [ ص: 33 ] وانتشارها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كان مقتل الحسن بن القاسم الداعي العلوي صاحب الري على يد صاحب الديلم وسلطانهم مرداويج المجرم ، قبحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية