الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قصة نيل مصر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روينا من طريق ابن لهيعة ، عن قيس بن الحجاج ، عمن حدثه قال : لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص - حين دخل بؤنة من أشهر [ ص: 97 ] العجم - فقالوا : أيها الأمير ، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها . قال : وما ذاك ؟ قالوا : إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر ، عمدنا إلى جارية بكر من أبويها ، فأرضينا أبويها ، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا النيل . فقال لهم عمرو : إن هذا مما لا يكون في الإسلام ، إن الإسلام يهدم ما قبله . قال : فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا ، حتى هموا بالجلاء ، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب إليه : إنك قد أصبت بالذي فعلت ، وإني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي ، فألقها في النيل . فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها : من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر ، أما بعد ، فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك ، فنسأل الله تعالى أن يجريك . قال : فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت ، وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ، وقطع الله [ ص: 98 ] تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال سيف بن عمر : وفي ذي القعدة من هذه السنة - وهي عنده سنة ست عشرة - جعل عمر المسالح على أرجاء مصر ، وذلك لأن هرقل أغزا الشام ومصر في البحر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير وفي هذه السنة غزا أرض الروم أبو بحرية عبد الله بن قيس الكندي - وهو أول من دخلها فيما قيل - فسلم وغنم ، وقيل : أول من دخلها ميسرة بن مسروق العبسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : وفيها عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين وحده في الشراب ، وولى على البحرين واليمامة أبا هريرة الدوسي ، رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها شكا أهل الكوفة سعدا في كل شيء ، حتى قالوا : لا يحسن يصلي . فعزله عنها وولى عليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان ، وكان نائب سعد . وقيل : بل ولاها عمرو بن ياسر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 99 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عبد الملك ، سمعه من جابر بن سمرة قال : شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فقالوا : إنه لا يحسن يصلي . قال : الأعاريب ! والله ما آلو بهم عن صلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في الظهر والعصر ، أركد في الأوليين ، وأحذف في الأخريين . فسمعت عمر يقول : كذلك الظن بك يا أبا إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " أن عمر بعث من يسأل عنه أهل الكوفة ، فأثنوا خيرا إلا رجلا يقال له : أبو سعدة أسامة بن قتادة . قام فقال : أما إذ نشدتنا ، فإن سعدا لا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية ، ولا يخرج في السرية . فقال سعد : اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، وأدم فقره ، وعرضه للفتن . فأصابته دعوة سعد ، فكان شيخا كبيرا يرفع حاجبيه عن عينيه ، ويتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن ، فيقال له في ذلك ؛ فيقول : شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 100 ] وقد قال عمر في وصيته - وذكره في الستة - : فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ولي ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها أجلى عمر يهود خيبر عنها إلى أذرعات وغيرها ، وفيها أجلى عمر يهود نجران منها أيضا إلى الكوفة ، وقسم خيبر ، ووادي القرى ، ونجران بين المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها دون عمر الدواوين . وزعم غيره أنه دونها قبل ذلك . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها بعث عمر علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في البحر فأصيبوا ، فآلى عمر على نفسه أن لا يبعث جيشا في البحر بعدها . وقد خالف الواقدي في هذا أبو معشر ، فزعم أن غزوة الحبشة إنما كانت في سنة إحدى وثلاثين . يعني في خلافة عثمان بن عفان والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : وفيها تزوج عمر فاطمة بنت الوليد بن عتبة - التي مات عنها الحارث بن هشام في الطاعون - وهي أخت خالد بن الوليد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها مات بلال بدمشق ، وأسيد بن الحضير في شعبان ، [ ص: 101 ] وزينب بنت جحش أم المؤمنين ، وهي أول من مات من أمهات المؤمنين ، رضي الله عنها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها مات هرقل ، وقام بعده ولده قسطنطين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وحج بالناس في هذه السنة عمر . ونوابه وقضاته ، ومن تقدم في التي قبلها ، سوى من ذكرنا أنه عزله وولى غيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية