الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ( شق الصدر )

                                                                                      فكان صلى الله عليه وسلم يشب في يومه شباب الصبي في الشهر ، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة ، قالت : فقدمنا على أمه فقلنا لها : ردي علينا ابني فإنا نخشى عليه وباء مكة ، قالت : ونحن أضن شيء به مما رأينا من بركته ، قالت : ارجعا به ، فمكث عندنا شهرين فبينا هو يلعب وأخوه خلف البيوت يرعيان بهما لنا ، إذ جاء أخوه يشتد ، فقال : أدركا أخي قد جاءه رجلان فشقا بطنه ، فخرجنا نشتد ، فأتيناه وهو قائم منتقع اللون ، فاعتنقه أبوه وأنا ، ثم قال : ما لك يا بني ؟ قال : أتاني رجلان فأضجعاني ثم شقا بطني فوالله ما أدري ما صنعا ، فرجعنا به . قالت : يقول أبوه : يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب ، فانطلقي فلنرده إلى أهله . فرجعنا به إليها ، فقالت : ما ردكما به ؟ فقلت : كفلناه وأدينا الحق ، ثم تخوفنا عليه الأحداث . فقالت : والله ما ذاك بكما ، فأخبراني خبركما ، فما زالت بنا حتى أخبرناها . قالت : فتخوفتما عليه ؟ كلا والله إن لابني هذا شأنا ، إني حملت به فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة ، ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبلببصرى ، ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان ، وقع واضعا [ ص: 52 ] يديه بالأرض رافعا رأسه إلى السماء ، دعاه ، والحقا شأنكما . هذا حديث جيد الإسناد .

                                                                                      قال أبو عاصم النبيل : أخبرني جعفر بن يحيى ، قال : أخبرنا عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبلت إليه امرأة حتى دنت منه ، فبسط لها رداءه فقلت : من هذه ؟ فقالوا : أمه التي أرضعته . أخرجه أبو داود .

                                                                                      قال مسلم : حدثنا شيبان ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا ثابت ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق قلبه ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه ، ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ، يعني مرضعته ، فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه منتقع اللون .

                                                                                      قال أنس : قد كنت أرى أثر المخيط في صدره
                                                                                      .

                                                                                      وقال بقية ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، عن عتبة بن عبد ، فذكر نحوا من حديث أنس . وهو صحيح أيضا ، وزاد فيه : " فرحلت - يعني ظئره -بعيرا ، فحملتني على الرحل ، وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت : أديت أمانتي وذمتي ، وحدثتها بالذي لقيت ، فلم يرعها ذلك ، وقالت : إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام .

                                                                                      [ ص: 53 ] وقال سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتيت وأنا في أهلي ، فانطلق بي إلى زمزم فشرح صدري ، ثم أتيت بطست من ذهب ممتلئة حكمة وإيمانا فحشي بها صدري قال أنس : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرينا أثره- فعرج بي الملك إلى السماء الدنيا " . وذكر حديث المعراج .

                                                                                      وقد روى نحوه شريك بن أبي نمر ، عن أنس ، عن أبي ذر . وكذلك رواه الزهري ، عن أنس ، عن أبي ذر أيضا . وأما قتادة فرواه عن أنس ، عن مالك بن صعصعة ، نحوه .

                                                                                      وإنما ذكرت هذا ليعرف أن جبريل شرح صدره مرتين : في صغره ووقت الإسراء به .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية