الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 268 ] إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهر خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى .

هذه الجمل معترضة بين حكاية قصة السحرة وبين ذكر قصة خروج بني إسرائيل ، ساقها الله موعظة وتأييدا لمقالة المؤمنين من قوم فرعون . وقيل : هي من كلام أولئك المؤمنين . ويبعده أنه لم يحك نظيره عنهم في نظائر هذه القصة .

والمجرم : فاعل الجريمة ، وهي المعصية والفعل الخبيث . والمجرم في اصطلاح القرآن هو الكافر ، كقوله تعالى ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) .

واللام في ( له جهنم ) لام الاستحقاق ، أي هو صائر إليها لا محالة ، ويكون عذابه متجددا فيها ؛ فلا هو ميت لأنه يحس بالعذاب ولا هو حي لأنه في حالة الموت أهون منها ، فالحياة المنفية حياة خاصة وهي الحياة الخالصة من العذاب والآلام . وبذلك لم يتناقض نفيها مع نفي الموت ، وهو كقول عباس بن مرداس :

وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أعط شيئا ولم أمنع



وليس هذا من قبيل قوله ( إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) ولا قوله ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) .

[ ص: 269 ] وأما خلود غير الكافرين في النار من أهل الكبائر فإن قوله ( لا يموت فيها ولا يحيا ) جعلها غير مشمولة لهذه الآية . ولها أدلة أخرى اقتضت خلود الكافر وعدم خلود المؤمن العاصي . ونازعنا فيها المعتزلة والخوارج . وليس هذا موضع ذكرها وقد ذكرناها في مواضعها من هذا التفسير .

والإتيان باسم الإشارة في قوله ( فأولئك لهم الدرجات ) للتنبيه على أنهم أحرياء بما يذكر بعد اسم الإشارة من أجل ما سبق اسم الإشارة .

وتقدم معنى ( عدن ) وتفسير ( تجري من تحتها الأنهار ) في قوله تعالى ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ) في سورة براءة .

والتزكي : التطهر من المعاصي .

التالي السابق


الخدمات العلمية