الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الباب الثاني

                          الوحي والكتب والرسالة وفيه 3 فصول فيها 24 أصلا أو مسألة

                          ( ما جاء فيها بشأن القرآن )

                          ( 1 ) إنزال القرآن على خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم للإنذار به وذكرى للمؤمنين ، وهو في الآية الأولى من السورة ، وفيها نهي الرسول أن يكون في صدره حرج منه .

                          ( 2 ) أمر المؤمنين باتباع المنزل إليهم من ربهم وهو القرآن ، وألا يتبعوا من دونه أولياء وهو الآية الثانية ، وبيان أنهم إذا لم يؤمنوا به فلا يرجى أن يؤمنوا بكتاب غيره ، كما قال في آخر الآية 185 : فبأي حديث بعده يؤمنون .

                          ( 3 ) وصفه تعالى للقرآن بأنه فصله على علم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ، وهو نص الآية 52 .

                          ( 4 ) بيانه تعالى لما سيكون عند إتيان القرآن ، أي ظهور صدقه بوقوع ما أخبر بوقوعه من أمر الغيب ، وهو أن الذين نسوه فلم يؤمنوا به في الدنيا يؤمنون يومئذ ، ويشهدون لجميع الرسل بأنهم جاءوا بالحق ، ويتمنون الشفعاء أو الرد إلى الدنيا ليعملوا غير ما كانوا يعملون وهو في الآية 53 .

                          ( 5 ) ولاية الله لرسوله بإنزال الكتاب عليه في الآية 196 ( 6 ) الأمر بالاستماع لقراءة القرآن ، والإنصات له رجاء الرحمة بسماعه والاهتداء به .

                          ( ما جاء فيها خاصا بنبينا صلى الله عليه وسلم ) ( 7 ) قوله تعالى في الآية الثانية : فلا يكن في صدرك حرج منه أي: الكتاب ، هو نهي عن ضيق الصدر بعظمة القرآن ، وجلال الأمر الذي أنزل لأجله ، وشدة وقع سلطانه في القلب ، أو عن ضيقه بمشقة الإنذار به ، والتصدي لهداية جميع البشر ، وقد غلب عليهم الشرك والضلال ، أو بما يتوقع من شدة معارضة الكفار وعدوانهم - وقيل : هو دعاء ، وقيل : هو حكم منه تعالى بمضمونه ( راجع ص 269 وما بعدها ج 8 ط الهيئة ) [ ص: 470 ] ( 8 ) أمره تعالى له بأن يعتز بأنه هو وليه وناصره ، وبأنه تعالى يتولى الصالحين فلا خوف على أتباعه من اضطهاد الكفار لهم ، وهو في الآية 196 وقد ذكرت في مسألة أخرى .

                          ( 9 ) قوله تعالى في الآية 18 : أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة الآية . وهي تفنيد لرمي بعض مشركي مكة إياه صلى الله عليه وسلم بالجنون ، يعني أن التفكر الصحيح في حاله صلى الله عليه وسلم من أخلاقه وهديه وسيرته ، وفيما جاء به من العلم والهدى ينفي أن يكون به صلى الله عليه وسلم أدنى مس من الجنون كما زعموا ، فما عليهم إلا أن يتفكروا ( راجع تفسيرها في محله من هذا الجزء )

                          ( 10 ) بيان أنه صلى الله عليه وسلم لم يعط علم الساعة أيان مرساها ، ومتى تقوم ، بل هو من علم الغيب الخاص بالله تعالى وذلك نص الآية 187 .

                          ( 11 ) بيان أنه صلوات الله وسلامه عليه لا يملك لنفسه - أي ولا لغيره بالأولى - نفعا ولا ضرا - إلا ما مكنه الله منه بتسخير الأسباب من الأعمال الاختيارية - وبيان أنه لا يعلم الغيب مؤيدا بالدليل الحسي والعقلي ، وذلك قوله تعالى : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ( 188 ) راجع تفسيرها في محله من هذا الجزء .

                          ( 12 ) بيان عموم بعثته ، وشمول رسالته لجميع الأمم والشعوب ومنهم أهل الكتاب ، والشهادة له في كتبهم يدل عليه في الآية الثانية حذف مفعول لتنذر به فهو يدل على العموم ، وكذلك الخطاب العام بعده في الأمر باتباع الناس ما أنزل إليهم من ربهم ، وهو القرآن المذكور في الآية الثانية . والنص في إرساله إلى أهل الكتاب قوله تعالى فيمن يكتب لهم رحمته : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( 157 ) إلخ . وقد بينا في تفسيرها نصوص التوراة والإنجيل المشار إليها فيها ( ص 199 - 255 ج 9 ط . الهيئة ) .

                          وأما النص الصريح في عموم الرسالة فهو قوله تعالى : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( 158 ) الآية ، وكذا كل خطاب خوطب به بنو آدم في الآيات 26 و 27 و 31 وما بعدها من آيات التشريع العام ، ولكن هذا كله مشترك بين أمة خاتم النبيين ، وأمم الأنبياء قبله ، وأصرح منه في الاشتراك العام ما ترى في أول الكلام في الرسالة العامة .

                          ما ورد في الرسالة العامة والرسل

                          ( 13 ) بعثة الرسل إلى جميع بني آدم في قوله تعالى : يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ( 35 ) إلخ . ويدل على إرسالهم إلى الأمم المختلفة قوله تعالى : وكم من قرية أهلكناها ( 4 ) إلى آخر الآية الخامسة . فالمراد بالقرى الكثيرة أمم الرسل بدليل ما بعده .

                          [ ص: 471 ] ( 14 ) سؤاله الرسل يوم القيامة عن التبليغ وسؤال الأمم عن الإجابة وهو نص الآية السادسة .

                          ( 15 ) جزاء بني آدم على اتباع الرسل وطاعتهم ، وعلى تكذيبهم إياهم واستكبارهم عن اتباعهم وهو في الآيتين 35 و 36 .

                          ( 16 ) وظيفة الرسل تبليغ رسالات ربهم : بشارة وإنذارا ، قولا وعملا ، وهو صريح في الآيات : 2 و 62 و 93 و 188 .

                          ( 17 ) أول ما دعا إليه الرسل توحيد الألوهية بالأمر بعبادة الله وحده ، ونفي عبادة إله غيره ، كما هو صريح في الآيات 59 و 65 و 70 و 73 و 85 .

                          ( 18 ) مجيء الرسل بالبينات من الله تعالى ، وهي تشمل الآيات الكونية والحجج العقلية كما ترى في الآيات 13 و 85 و 103 و 105 و 107 و 108 .

                          ( 19 ) الآيات الكونية التي أيد الله تعالى بها رسله هي حجة لهم على الأمم ، وهي غير مقتضية للإيمان اقتضاء عقليا ، ولا ملجئة إليه طبعا ، ولو كانت مقتضية له قطعا أو ملجئة إليه طبعا لما تخلف عنها ، ولكان خلاف مقتضى التكليف المبني على الاختيار ، والملجأ لا يستحق جزاء . ونحن نرى في قصة موسى مع فرعون وقومه من هذه السورة وغيرها أن السحرة قد آمنوا يقينا على علم ، وأن الجماهير من قومه ظلوا على كفرهم ، ولكن الله تعالى أخبرنا في سورة النمل أنه لما جاءتهم الآية الكبرى قالوا إنها لسحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ( 27 : 14 ) أي: عاندوا موسى عليه السلام عنادا بإظهار الكفر بها في الظاهر مع استيقانها في الباطن ، وأن سبب هذا الجحود هو الظلم والعلو والكبرياء في الأرض ، وهذا وصف فرعون وملئه أي كبار رجال دولته ، إذ من المعلوم أن سائر الشعب كان مستذلا . وهو مقلد للرؤساء لجهله ، وقد صدقهم في قولهم: إن موسى ساحر ، وإن السحرة كانوا متواطئين معه ، ولذلك أظهروا الإيمان به; لأجل إخراج فرعون ورجال دولته من مصر ، والتمتع بكبرياء الملك بدلا منهم كما تدل عليه آيات أخرى ، ولو فهم جمهور الشعب من الآيات ما فهموا لآمن كما آمنوا ; لأنه لم يكن لديه من عتو العلو والكبرياء ما يصرفه عن الإيمان ، ولا شك أن السحرة كانوا أكرم منزلة في الدولة من سائر الشعب ، ولكن كرامتهم لم تكن بالغة درجة العظمة والعلو المانعة لصاحبها من تركها لأجل الحق ، وقد امتاز خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم بأن جعل الله آية نبوته الكبرى علمية لا صعوبة في فهم دلالتها على عامي ولا خاصي ، على أنه أيده في زمنه بعدة آيات كونية .

                          [ ص: 472 ] ( 20 ) نصيحة الرسل للأمم وأمرهم بالحق والفضيلة ونهيهم عن ضدهما كما في الآيات 62 و 63 و 68 و 74 و 79 و 80 و 85 و 86 و 93 .

                          ( 21 ) شبهة الأمم على الرسل التي أثارت تعجبهم واستنكارهم هي كون مدعي الرسالة رجلا مثلهم كما في الآية 63 و 69 .

                          ( 22 ) اتهام الكفار رسل الله بالسحر كما فعل فرعون والملأ من قومه باتهام موسى في الآية 109 وما يليها من الآيات في قصة سحرة المصريين مع موسى . وهي شبهة جميع أقوام الرسل على آياتهم من حيث إن كلا منها أمر غريب لا يعرفون سببه ، ومن خطأ المتكلمين التفرقة بين المعجزة والسحر باختلاف حال الأشخاص ، وقد عقدنا في تفسير الآيات فصلا في حقيقة السحر وأنواعه لا يجد القارئ مثله في شيء من تفاسيرنا وكتبنا الكلامية وهو في ص41 - 52 ج 9 ط الهيئة .

                          ( 23 ) عقاب الأمم على تكذيب الرسل وهو في الآيات 64 و 72 و 78 و 84 و 91 و 92 و 133 و 136 و 137 .

                          ( 24 ) قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب . وهي من آية 59 إلى 93 ، وقصة موسى مع فرعون وقومه وسحرته من آية 103 إلى 137 ، وقصته مع قومه وحدهم من 138 - 171 وفيها من العبر والفوائد ما ذكر بعضه في أبواب من هذه الخلاصة ، وبقي ما سبب إنزالها وإنزال غيرها من المقاصد المصرح بها في غير هذه السورة ، ككونها من أخبار الغيب الماضية الدالة على كون القرآن وحيا من الله تعالى تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( 11 : 49 ) وكونها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما يلاقي من إعراض المشركين وأذاهم ، وتثبيتا لقلبه في النهوض بأعباء الرسالة ، كما قال تعالى : وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ( 11 : 120 ) - وكونها موعظة وذكرى للمؤمنين ، كما قال تعالى في تتمة هذه الآية وموعظة وذكرى للمؤمنين وكونها عبرة عامة للعقلاء من المؤمنين والكافرين المستعدين للاعتبار كما قال تعالى : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ( 12 : 111 ) وغير ذلك مما سنفصله إن شاء الله تعالى في تفسير سورة هود . فقد طال تفسير هذه السورة جدا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية