الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الوظيفة الرابعة - السكوت عن السؤال ) وذلك واجب على العوام لأنه بالسؤال متعرض لما لا يطيقه وخائض فيما ليس أهلا له ، فإن سأل جاهلا زاده جوابه جهلا ، وربما ورطه في الكفر من حيث لا يشعر ، وإن سأل عارفا عجز العارف عن تفهيمه ، بل عجز عن تفهيم ولده مصلحته في خروجه إلى المكتب ، بل عجز الصائغ عن تفهيم النجار صناعته ، فإن النجار - وإن كان بصيرا بصناعته - [ ص: 176 ] فهو عاجز عن دقائق الصياغة ; لأنه إنما يعلم دقائق النجر لاستغراقه العمر في تعلمه وممارسته ، فكذلك يفهم الصائغ أيضا لصرف العمر إلى تعلمه وممارسته ، وقبل ذلك لا يفهمه ، فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التي ليست من قبيل معرفة الله عاجزون عن معرفة الأمور الإلهية عجز كافة المعرضين عن الصناعات عن فهمها ، بل عجز الصبي الرضيع عن الاغتذاء بالخبز واللحم لقصور في فطرته لا لعدم الخبز واللحم ، ولا لأنه قاصر على تغذية الأقوياء ، لكن طبع الضعفاء قاصر عن التغذي به ، فمن أطعم الصبي الضعيف اللحم والخبز أو مكنه من تناوله فقد أهلكه ، وكذلك العامة إذا طلبوا بالسؤال هذه المعاني يجب زجرهم ومنعهم وضربهم بالدرة ، كما كان يفعله عمر - رضي الله عنه - بكل من سأل عن الآيات المتشابهات وكما فعله - صلى الله عليه وسلم - في الإنكار على قوم رآهم خاضوا في مسألة القدر وسألوا عنه : فقال - عليه السلام - : أفبهذا أمرتم ؟ وقال : إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال أو لفظ هذا معناه كما اشتهر في الخبر . ولهذا أقول : يحرم على الوعاظ على رءوس المنابر الجواب على هذه المسألة بالخوض في التأويل والتفصيل ، بل الواجب عليهم الاقتصار على ما ذكرناه وذكره السلف ، وهو المبالغة في التقديس ونفي التشبيه وأنه - تعالى - عن الجسمية وعوارضها ، وله المبالغة في هذا بما أراد حتى يقول : كل ما خطر ببالكم وهجس في ضميركم وتصور في خاطركم ، فالله - تعالى - خالقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها ، وأن ليس المراد بالإخبار شيئا من ذلك . وأما حقيقة المراد فلستم من أهل معرفتها والسؤال عنها فاشتغلوا بالتقوى ، فما أمركم الله - تعالى - به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه ، وهذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه ، ومهما سمعتم شيئا من ذلك فاسكتوا ، وقولوا آمنا وصدقنا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، وليس هذا من جملة ما أوتينا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية