الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( عقوبة شارب الخمر ) .

                          ثبت في أحاديث الصحيحين مجتمعين ومنفردين " أنه كان يؤتى بالشارب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيضرب بالأيدي والجريد والثياب والنعال " وفي حديث أنس عند أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين ، قال وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانين ، فأمر به عمر " وفي الصحيحين عن علي كرم الله وجهه " ما كنت لأقيم على أحد حدا فيموت وأجد في نفسي شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته ( أي دفعت ديته ) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه " .

                          وفي صحيح مسلم : " أن عثمان أتى بالوليد وقد صلى الصبح ركعتين وقال : أزيدكم فشهد عليه حمران أنه شرب الخمر ، وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها ، وأمر بجلده ، فجلده عبد الله بن جعفر وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال : أمسك ، ثم قال : جلد النبي وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين ، وكل سنة ، وهذا أحب إلي " أقول : يعني الأربعين الذي أمر بها ، وقوله : " وكل سنة " معناه أنه جرى به العمل ، وهذا لا يعارض قوله في رواية الصحيحين : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن حد الخمر; " لأن ضربه أربعين مرة واحدة لا يعد سنة محدودة له مع مخالفته غير مرة ، وإنما صار سنة عملية لجري أبي بكر عليه ، ويستفاد من مجموع الروايات أن المشروع في العقاب على شرب الخمر وهو الضرب المراد منه إهانة الشارب وتنفير الناس من الشرب ، وإن ضرب الشارب أربعين وثمانين كان اجتهادا من الخلفاء فاختار الأول أبو بكر لأنه أكثر ما وقع [ ص: 83 ] بين يدي النبي واختار عمر الثمانين بموافقته لاجتهاد عبد الرحمن بن عوف بتشبيهه بحد قذف المحصنات ، وروى الدارقطني هذا الاجتهاد عن علي أيضا ، قال : " إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة " ورواه عنه غيره بروايات فيها مقالات تراجع في كتب الحديث لأهله ، فمنها يعرف الصحيح وغير الصحيح لا من كتب الفقهاء التي يورد أهل كل مذهب منها مما يقوي مذهبه ، ويضعف مذهب غيرهم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية