الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          خلاصة سورة المائدة

                          انفردت هذه السورة بعدة مسائل في أصول الدين وفروعه ، وبتفصيل عدة أحكام أجملت في غيرها إجمالا ، وأكثرها في بيان شئون أهل الكتاب ومحاجتهم ، ونحن نذكر قارئ تفسيرنا بخلاصتها مراعين مناسبة بعض المسائل لبعض لا على ترتيب ورودها في السورة ، وجعلنا ذلك على قسمين :

                          ( القسم الأول ما هو من قبيل الأصول والقواعد الاعتقادية أو العملية ) .

                          ( 1 ) أهم الأصول التي انفردت بها السورة ، بيان إكمال الله تعالى للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم بالقرآن ، وإتمام نعمته عليهم بالإسلام [ راجع ص 128 139 ج 6 ط الهيئة ] .

                          ( 2 ) النهي عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء من شأنها أن تسوء المؤمنين إذا أبديت لهم لما فيها من زيادة التكاليف مثلا [ راجع ص 101 وما بعدها ج 7 ط الهيئة ] .

                          وقد علم من الآيات التي نزلت في هاتين المسألتين المتلازمتين أن كل حكم ديني من اعتقاد أو عبادة أو حلال أو حرام لم يدل عليه النص دلالة صريحة ولم تمض به السنة العملية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فليس من الدين الذي هو حجة الله على كل من بلغتهم دعوة الرسول ، بحيث يطالبون به في الدنيا ويسألون عنه في الآخرة ، كما فصلنا ذلك في تفسيرهما مع بيان الفرق بين الأحكام الدينية والدنيوية ، وأما ما دل عليه الكتاب أو السنة دلالة غير صريحة ومنه أكثر ما اختلف أئمة العلم في دلالته فهو حجة على من فهم منه الحكم لا على كل أحد كما بيناه في تفسير آية تحريم الخمر .

                          ( 3 ) بيان أن هذا الدين الكامل مبني على العلم اليقيني في الاعتقاد والهداية في الأخلاق والأعمال ، وأن التقليد باطل لا يقبله الله تعالى ، كما هو صريح الآية 104 [ راجع ص 172 ج 7 ط الهيئة ] وتقدم مثلها في سورة البقرة .

                          ( 4 ) بيان أن أصول الدين الإلهي على ألسنة الرسل كلهم هي الإيمان بالله واليوم الآخر [ ص: 231 ] والعمل الصالح ، فمن أقامها كما أمرت الرسل من أية ملة من ملل الرسل كاليهود والنصارى والصابئين فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون [ راجع ص 394 ج 6 ط الهيئة ] وتقدم لك مثل ذلك في سورة البقرة .

                          ( 5 ) وحدة الدين واختلاف شرائع الأنبياء ومنهجهم فيه .

                          ( 6 ) هيمنة القرآن على الكتب الإلهية [ راجع ص 339 ج 6 ط الهيئة ] .

                          ( 7 ) بيان عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بالتبليغ العام وكونه لا يكلف من حيث كونه رسولا إلا التبليغ . وأن من حجج رسالته أنه بين لأهل الكتاب كثيرا مما كانوا يخفون من كتبهم وهو قسمان : ( أحدهما ) ما ضاع منه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بناء على الأصل المبين في هذه السورة وهو أنهم نسوا حظا عظيما مما ذكرهم الله به بإنزاله فيها . ( وثانيهما ) ما كانوا يكتمونه من الأحكام اتباعا لأهوائهم مع وجوده في الكتاب كحكم رجم الزاني ، وقد بينا كلا من القسمين في موضعه من هذه السورة ولولا أن محمدا الأمي مرسل من عند الله لما علم شيئا من هذا ولا ذاك .

                          ( 8 ) عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم من الناس أن يضروه أو يقدروا على صده عن تبليغ رسالة ربه ، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أيضا ، فكم حاولوا قتله فأعياهم وأعجزهم [ راجع ص 391 ، 392 ج 6 ط الهيئة ] .

                          ( 9 ) بيان أن الله أوجب على المؤمنين إصلاح أنفسهم أفرادها وجماعتها . وأنه لا يضرهم من ضل من الناس إذا هم استقاموا على صراط الهداية ، أي لا يضرهم ضلاله في دنياهم لأن الله تعالى لا يجعل له سبيلا عليهم ، ولا يضرهم في أمر دينهم وآخرتهم لأن الله تعالى لم يكلفهم إكراه الناس على الهدى والحق ، ولا أن يخلقوا لهم الهداية خلقا ، وإنما كلفهم أن يكونوا مهتدين في أنفسهم بإقامة دين الله تعالى في الأعمال الفردية والمصالح الاجتماعية ، ومنها الدعوة إلى الحق والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

                          ( 10 ) تأكيد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما بينه الله تعالى من لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم وتعليله ذلك بأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه .

                          ( 11 ) نفي الحرج من دين الإسلام . [ راجع ص 214 ، 223 ج 6 ط الهيئة ] .

                          ( 12 ) تحريم الغلو في الدين والتشدد فيه ولو بتحريم الطيبات وترك التمتع بها وتحريم الخبائث والاعتداء والإسراف في الطيبات . [ راجع ص 405 ج 6 ، 16 28 ج 7 ط الهيئة ] .

                          ( 13 ) قاعدة إباحة الاضطرار للمحرم لذاته فيما يضطر إليه كالطعام ومنه أخذ الفقهاء قولهم : الضرورات تبيح المحظورات [ راجع ص 139 ج 6 ط الهيئة ] .

                          [ ص: 232 ] ( 14 ) قاعدة التفاوت بين الخبيث والطيب وكونهما لا يستويان في الحكم ، كما أنهما لا يستويان في أنفسهما وفيما يترتب عليهما ، وهذا أصل عظيم من أصول التحليل والتحريم في الطعام وغيره يدل على تعليل الأحكام الشرعية بالحكم والمصالح . وعلى عدم استواء جزاء الخبيث والطيب من الناس عند الله عز وجل [ راجع ص 103 ج 7 ط الهيئة ] وما كان تعليل الأحكام وبيان حكمتها وفائدتها إلا لأجل توخيها كأحكام الطهارة وتحريم الخمر والميسر وبعض الطعام وأحكام الوصية والشهادة وإقسام الشهداء اليمين وإنك لتجد الذين يجهلون ذلك لإعراض عن حكم القرآن وأسرار السنة قد جعلوا أمر الوضوء والغسل تعبديا محضا لا يستلزم النظافة فعلا ولا قصدا ، وزعموا أن تحريم الخمر تعبدي لا يدل على تحريم كل مسكر بناء على رأيهم أن الخمر ما كان من عصير العنب خاصة ، فما القول في فهمهم لسائر الأحكام ؟ ! .

                          ( 15 ) تحريم الاعتداء على قوم بسبب بغضهم وعداوتهم ; لأنه يجب على المؤمنين أن يلتزموا الحق والعدل ولا يكونوا كأهل السياسة المدنية . [ راجع ص 106 ، 107 ، 227 ج 6 ط الهيئة ] .

                          ( 16 ) وجوب الشهادة بالقسم والحكم بالعدل والمساواة فيهما بين غير المسلمين كالمسلمين ولو للأعداء على الأصدقاء ، وتأكيد وجوب العدل في سائر الأحكام والأعمال . [ راجع ص 226 ، 326 ، 341 ، 348 ج 6 ط الهيئة ] .

                          ( 17 ) الأمر المطلق العام في أول السورة بالوفاء بالعقود التي يتعاقد الناس عليها في جميع معاملاتهم الدنيوية من شخصية ومدنية . وهذه قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة الإسلامية ، وهي أن الله تعالى وكل أمر العقود التي يتعاملون بها إلى عرفهم ومواضعاتهم; لأنها من مصالحهم التي تختلف باختلاف الأحوال ، فلم يقيدهم في أحكامها وشروطها بقيود دائمة إلا ما أوجبه الشرع مما لا يختلف الأحوال والعرف ، كتحريم أكل أموال الناس بالباطل كالربا والقمار ، فكل عقد يتعاقد عليه الناس لم يحل حراما ولم يحرم حلالا مما ثبت بالنص ولو اقتضاء فهو جائز .

                          ( 18 ) إيجاب التعاون على البر والتقوى ، ومنه تأليف الجماعات الخيرية والعلمية وتحريم التعاون على الإثم والعدوان .

                          ( 19 ) بيان أن الله تعالى جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس في أمر دينهم ودنياهم ، فهو جعل تكويني باعتبار وشرعي باعتبار آخر ، وهو يدل على علمه الواسع المحيط بالأشياء والحكم والمصالح والمنافع .

                          ( 20 ) النهي عن موالاة المؤمنين للكافرين وبيان أن من آيات النفاق ومرض القلب [ ص: 233 ] المسارعة في موالاتهم من دون المؤمنين ، خوفا أن تدور الدائرة على المؤمنين فتكون لهم يد عند أعدائهم يستفيدون بها منهم . [ راجع ص 352 ، 353 ، 367 ، 368 ط الهيئة ] .

                          ( 21 ) تفصيل أحكام الوضوء والغسل والتيمم مع بيان أن الله تعالى يريد أن يطهر الناس ويزكيهم بما شرعه لهم من أحكام الطهارة وغيرها . وشمول الطهارة في آية الوضوء لطهارة الظاهر والباطن . وهذا يدل على أن أحكام الطهارة كلها معقولة المعنى كما أشرنا إليه في المسألة الرابعة عشرة ، فيجب أن يتحرى بأداء ما ورد به الشرع ما تتحقق به الحكمة منه . ويدل على أن الوسوسة في الطهارة مذمومة مخالفة لنص الشرع ومقصده .

                          ( 22 ) تفصيل أحكام حلال الطعام وحرامه وبيان ما حرم منه لكونه خبيثا في ذاته كالميتة وما في معناها والخنزير وما حرم لسبب ديني كالذي يذبح للأصنام .

                          ( 23 ) تحريم الخمر وهو كل مسكر ، والميسر وهو القمار ، ومنه ما يسمى في عرف الناس اليوم بالمضاربات .

                          ( 24 ) أحكام محرمات الإحرام .

                          ( 25 ) تفصيل أحكام الصيد للمحرم وغيرهم في أوائل السورة وأواخرها .

                          ( 26 ) حدود المحاربين الذين يفسدون في الأرض ، ويخرجون على أئمة العدل ، وحد السرقة وما يتعلق بالحد كسقوطه بالتوبة بشرطه .

                          ( 27 ) أحكام الأيمان وكفارتها وأيمان الأمناء والشهود .

                          ( 28 ) تأكيد أمر الوصية قبل الموت ، وأحكام الشهادة على الوصية وفي قضاياها وشهادة غير المسلم على المسلم ، والفرق بين الشهادة والإشهاد ، وإننا بعد الإطالة في تفسير الآيات في الوصية والشهادة فيها لخصنا مسائلها في 15 مسألة .

                          ( 29 ) الأمر بالتقوى في عدة آيات من هذه السورة تدخل في جمع الكثرة ; لأن صلاح أمور الدنيا والدين يتوقف على التزامها ، وإنما يرجى بتكرار الأمر بها في كل سياق بحسبه .

                          ( 30 ) بيان تفويض أمر الجزاء في الآخرة إلى الله تعالى وحده كما حكاه سبحانه من قول المسيح في ذلك اليوم مقرونا بتعليله ودليله ، وكون النافع في ذلك اليوم هو الصدق في الظاهر والباطن ، جعلنا الله من أهله .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية