الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الأمر الرابع : ما تضمنه " التيسير " و " الشاطبية " ، قال الشيخ أثير الدين أبو حيان : لم يحويا جميع القراءات السبع ، وإنما هي نزر يسير منها ، ومن عني بفن القراءات ، وطالع ما صنفه علماء الإسلام في ذلك - علم ذلك العلم اليقين وذلك أن بلادنا جزيرة الأندلس لم تكن من قديم بلاد إقراء السبع ، لبعدها عن بلاد الإسلام ، واجتازوا عند الحج بديار مصر ، وتحفظوا [ ص: 471 ] ممن كان بها من المصريين شيئا يسيرا من حروف السبع ، وكان المصريون بمصر إذ ذاك لم تكن لهم روايات متسعة ولا رحلة إلى غيرها من البلاد التي اتسعت فيها الروايات ; كأبي الطيب بن غلبون ، وابنه أبي الحسن طاهر ، وأبي الفتح فارس بن أحمد ، وابنه عبد الباقي ، وأبي العباس بن نفيس ، وكان بها أبو أحمد السامري ، وهو أعلاهم إسنادا .

وسبب قلة العلم والروايات بديار مصر ما كان غلب على أهلها من تغلب الإسماعيلية عليها ، وقتل ملوكهم العلماء ، فكان من قدماء علمائنا ممن حج يأخذ بمصر شيئا يسيرا ; كأبي عمر الطلمنكي صاحب " الروضة " ، وأبي محمد مكي بن أبي طالب . ثم رحل أبو [ ص: 472 ] عمرو الداني لطول إقامته بدانية ، فأخذ عن ابن خاقان ، وفارس ، وابن غلبون ، وصنف كتاب " التيسير " وقرأ الناس على هؤلاء ، ورحل أيضا أبو القاسم يوسف بن جبارة الأندلسي ، فأبعد في الشقة ، وجمع بين طريق المشرق والمغرب ، وصنف كتاب " الكامل " يحتوي على القراءات السبع وغيرها ، ولم أر ولم أسمع أوسع رحلة منه ، ولا أكثر شيوخا .

وقد أقرأ القرآن بمكة أبو معشر الطبري ، وأبو عبد الله الكارزيني ، وكانا متسعي الرواية .

وكان بمصر أبو علي المالكي مؤلف " الروضة " ، وكان قد قرأ بالعراق ، وأقرأ بمصر .

[ ص: 473 ] وبعدهم التاج الكندي ، فأقرأ الناس بروايات كثيرة لم تصل إلى بلادنا .

وكان أيضا ابن مامويه بدمشق ، يقرئ القرآن بالقراءات العشر .

وبمصر النظام الكوفي ، يقرئ بالعشر وبغيرها ، كقراءة ابن محيصن والحسن .

وكان بمكة أيضا زاهر بن رستم ، وأبو بكر الزنجاني ، وكانا قد أخذا عن أبي الكرم الشهرزوري كتاب " المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر " وأقرأه الزنجاني لبعض شيوخنا .

وكان عز الدين الفاروثي بدمشق ، يقرئ القرآن بروايات كثيرة ، حتى قيل : إنه أقرأ بقراءة أبي حنيفة .

[ ص: 474 ] والحاصل اتساع روايات غير بلادنا ، وأن الذي تضمنه " التيسير " و " التبصرة " و " الكافي " وغيرها من تآليفهم إنما هو قل من كثر ، ونزر من بحر .

وبيانه أن في هذه الكتب مثلا قراءة نافع من رواية ورش وقالون ، وقد روى الناس عن نافع غيرهما ، منهم إسماعيل بن جعفر المدني ، وابن مخلد ، وابن جماز ، والأصمعي ، والمسيبي وغيرهم ، ومن هؤلاء من هو أعلم وأوثق من ورش وقالون ، وكذا العمل في كل راو وقارئ .

التالي السابق


الخدمات العلمية